نحو حياة خالية من منغصات الحداثة

لماذا علينا العودة للزمن الجميل ؟

نحو حياة خالية من منغصات الحداثة

 

أسباب عديدة تدعونا للعودة لهذا الزمن وأسبوع يكفي لمعرفة الفرق
عدم وجود ثلاجة في الماضي وراء تناول الأطعمة الطازجة
الباحثون يطالبون بتبني عادات جيدة اختفت منذ عقود
لم يكن هناك سوى القهوة العربية الشقراء ذات الفائدة الصحية
العودة إلى المشي وركوب الدراجة يقضيان على وباء السمنة

ترجمة – كريم المالكي:

20161019-01

 

أي زيادة في الأعباء المنزلية لها مردود طيب على الجسد والنفس

 

منذ أكثر من نصف قرن ونحن نرى الحياة الصحية تشهد تحسناً لافتاً، لكن في الوقت نفسه ثمة أوبئة جديدة بدأت تضرب بني البشر، وقد تكون في الأساس من صنع أيديهم. وبات الكثير من الناس يشكو أمراضاً كثيرة ومن بين أكثر ما يعانونه، وباء السمنة، التي صارت تضرب معظم المجتمعات، وبالتالي فإن هذا يجعلنا نفكّر وبجدية، لماذا يجب علينا العودة إلى ذلك الزمن الجميل والبسيط، وإلى تلك الأيام التي كان يتمتع فيها أهلنا بصحة وعافية ينافسون بها حتى الرياضيين بفضل اعتمادهم على ما هو بسيط وطبيعي وطازج بحسبما ذكرته صحيفة الديلي إكسبريس البريطانية.

فلو عدنا إلى الستينيات لتذكرنا كيف أن أمراضاً كثيرة كانت تُودي بحياة الناس لعدم وجود دواء يوقف المرض، وكيف أن شلل الأطفال كان يشكل تهديداً رئيسياً. علماً أن أهلنا في تلك السنوات كانوا لا يستطيعون الإقلاع عن محاولة إضافة الحليب المكثف بالسكر إلى الشاي، الذي له آثار كبيرة على الصحة.

والسؤال إذن، ما الذي تغيّر في نمط الحياة ؟ وما الذي علينا أن نفعله دون أن نربك حياتنا. وهل علينا أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء حتى نستفيد مما كان يجعل أهلنا أصحّاء أقوياء.

 

السمنة القاتلة

تحسّنت معظم الجوانب الصحية بشكل كبير في السنوات الـ 50 الماضية، غير أن هناك إحصائية واحدة مثيرة للقلق، وهي أنه وسط كل المنجزات التي تحقّقت في منع وعلاج الأمراض، ارتفعت على الجانب الآخر معدلات البدانة بنسب لافتة للنظر منذ بضعة عقود. وخلصت الدراسات الجديدة، التي بحثت في كيفية تغيير نهج النظام الغذائي وممارساته منذ عقد الستينيات حتى الآن، إلى أن التحولات الخفية التي حدثت في حياتنا اليومية هي المسؤولة عن وباء البدانة.

ويذهب الخبراء – ومن خلال الحملات التي تهدف لجعل الناس يأكلون غذاء بحمية أفضل ليصبحوا أكثر نشاطاً – إلى ضرورة تبني بعض العادات الجيدة التي فقدناها أو تخلينا عنها خلال العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير. وفي الحقيقة لابد من عودة إلى الوراء من أجل أن يكون الإنسان في أعلى مستويات الجاهزية الصحية والبدنية ليواجه السمنة القاتلة.

 

أغذية بسيطة وطازجة

في معظم الأسر كان هناك نمط معتاد بالتعاطي مع اللحوم والخضراوات والأسماك لاسيما أيام الجمع. وكانت المتاجر الكبرى لا تزال في مراحلها الأولى أو غير موجودة أو قليلة، حيث إن معظم الناس كانوا يذهبون للتسوق بشكل غير يومي، وفي الغالب تُملأ السلة بأشياء بسيطة جداً.

وتكون معظم الفاكهة والخضر من الخارج، بما في ذلك الطماطم التي لا تتوفر على مدار السنة، لكنها فيما بعد أصبحت متاحة على نطاق أوسع لكنها محدودة جداً. أما الجبن وبعض الرقائق فقد وصلت في وقت لاحق. وعلى الرغم من أن الأغذية المجمدة أصبحت أمراً شائعاً في معظم المنازل، لكن فيما مضى لم تكن هناك ثلاجة، الأمر الذي جعل معظم الأسر تعتمد على الأطعمة الطازجة، والأغذية والمنتجات المتاحة موسمياً.

 

تأثيرات خارجية

إن الهجرة الجماعية خلال الفترات الماضية تسببت بوصول الأكل الهندي، لكن معظم العائلات كانت في البداية نادراً ما تأكل تلك الأطعمة. وكان الخيار الوحيد هو الوجبات الجاهزة المكونة من الأسماك والبطاطا. وفي بعض الأحيان هناك وجبات جاهزة أصبحت هي الوحيدة المتاحة على نطاق واسع في السبعينيات.

لم يكن هناك هذا الكمّ الهائل من أنواع القهوة مثل الكابتشينو أو القهوة بالحليب، أو القهوة التركي أو غيرها من الأنواع الأخرى. وأعتقد أن هناك نوعاً واحداً هو القهوة العربية الشقراء التي كما يعرف الجميع أنها ذات فائدة صحية. ويقول الاختصاصيون إن أكبر تغيير في عادات الأكل وعدد وجبات الطعام الآن هو الأكل خارج المنزل وغالباً ما تكون الوجبات التي تؤكل بعيداً عن المنزل أعلى من حيث السعرات الحرارية وبأحجام أكبر من تلك الوجبات التي نتناولها في المنزل.

 

التخلّص من العادات الدخيلة

في البداية، لابد من التخلص من كل ما هو دخيل علينا، بما فيها المشروبات بكل أنواعها من التي تكون عادة محملة بسعرات حرارية كبيرة. ومن الواجب التخلي عن عادات الشرب السيئة، وبالإمكان التخلص من تلك العادات الذميمة من خلال الأجهزة المختصة بمكافحة هكذا آفات اجتماعية. أما إذا كنت من الأشخاص الذين يأكلون كثيراً فعليك أن تحاول تجنب تناول الأطعمة الدسمة واختيار وجبة واحدة أو وجبتين بدلاً من ثلاث وجبات.

التخلص من عادات الشرب السيئة بما فيها عادات الأكثار من شرب القهوة بالحليب والكابتشينو، والتي هي عادة تحتوي على سعرات حرارية عالية. وبالإمكان تجريب كوب من الشاي المخلوط بلبن منزوع الدسم. علينا تناول الخضر الطازجة الموسمية أكثر واختيار الأسماك، لأنها وجبة صحية، لاسيما أيام العطل. واستبدل الحلويات أو السكريات بالحبوب المعالجة لاحتوائها على الحبوب ذات الألياف العالية.

 

المشي وركوب الدراجة

بحلول ذلك العقد الذي بدأت فيه السيارات بالدخول إلى البلاد كانت معظم العائلات تمتلك سيارة واحدة، ولكن كانت هناك عادتان لم يتم التخلي عنهما في تلك الأوقات هما المشي أو ركوب الدراجة عند الذهاب إلى العمل أو عند التسوق من المحلات التجارية. إن العودة إلى تلك الممارسات من شأنها أن تقضي على ذلك الوباء الذي اسمه سمنة.

كان هناك المزيد من الاعتماد على وسائل النقل العامة، حيث كان على الناس أن يسيروا إلى مواقف الحافلات أو على سبيل المثال المشي عندما تكون الأماكن التي يقصدونها قريبة كأن تكون زيارة الأصدقاء أو الأقارب. وتقول الدراسات: إن المشي انخفض بشكل مطرد مع تزايد تملك السيارات، والآن معظم الناس أقل نشاطاً بسبب قلة الحركة.

 

غسل السيارة باليد

غسل السيارة باليد بدلاً من الذهاب إلى محطة الغسيل الآلي سيوفر فرصة كبيرة لبذل مجهود جسدي. حاول أن تسير على الأقدام عند الذهاب إلى الأسواق على أقل تقدير من حين لآخر واحمل ما تشتريه من السوق إلى المنزل بدلاً من أن تستخدم السيارة. وإذا كنت ممن يشتري طعامه من المحلات الصغيرة فسوف تتفاجأ عن المديات الإضافية التي ستمشيها فيما لو كنت قد اتخذت قرارك في السير على قدميك بدلاً من استخدام السيارة عند الذهاب لأسواق بعيدة.

 

مشاهدة التلفزيون

في بداية الستينيات كانت ثلاثة أرباع المنازل لديها جهاز تلفزيون أبيض وأسود، ومع تقدم الزمن أصبح لدى كل عائلة جهاز وأخذت النسبة تتزايد إلى أن أصبح في كل غرفة تلفزيون، وهناك من يضعه في أماكن لا يسمح المكان بوضعه فيها. في البداية، كان هناك خيار واحد يكاد يتمثل بالقناة المحلية ومن ثم أخذت القنوات تتزايد إلى اثنتين وثلاث، إلى أن أصبحت الآن الأقمار الصناعية تأتي لك بالغثّ والسمين من القنوات.

ومع ذلك، كان التلفزيون لا يبدأ إلا في وقت متأخر من المساء في معظم أيام الأسبوع، وربما هناك استثناء في يوم الجمعة، حيث يبدأ الإرسال صباحاً. وكانت هناك فترات طويلة مخصصة للأطفال. كما لم تكن هناك أجهزة التحكم عن بعد، ولم يكن هناك إرسال نهاري في التلفزيون ولا توجد أجهزة الفيديو.

ويقول أحد الخبراء: إن الأم اعتادت تقليدياً أن تعد وجبة الطعام عند عودة الأطفال من المدرسة، ولأنها لا تريد لهم أن يعيقوا حركتها أثناء العمل في إعداد الطعام كانت ترسلهم إلى اللعب خارج المنزل، وقد أثبتت البحوث أن الفترة التي تسبق وجبة الطعام تعدّ وقتاً مهماً للأطفال ليكونوا على درجة من النشاط.

قم ببعض التمارين الرياضية أو ممارسة أي الألعاب الحركية وكذلك لتكون هذه الممارسة روتينية بعد عودة طفلك من المدرسة حاول أن تقلل وتحدد الوقت الذي تنفقه في استخدام أجهزة الكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون. وإذا كنت داخل المنزل خلال النهار، فمن الأفضل الذهاب للنزهة لمدة نصف ساعة.

 

الأعمال المنزلية

يعتقد الباحثون أن الأعمال المنزلية تساعد الأم في أن تكون أكثر لياقة وحيوية، لاسيما تلك التي تحافظ على البقاء المتواصل داخل البيت لإنجاز احتياجاته. وقد وجد الباحثون أن عدم وجود أجهزة ادخار الجهد اليدوي، مثل غسالات الصحون، والمجففات في السابق جعل النساء تقضي الكثير من الوقت – قد يصل إلى أكثر من الضعف – عند القيام بالأعمال المنزلية.

وعلى سبيل المثال عندما يكون الجو ملائماً فبالإمكان نشر الغسيل على الحبل بدلاً من رميه في ماكينة تجفيف الملابس. ومن الأفضل التحول نحو الغسل بواسطة اليدين مرة واحدة في الأسبوع على الاقل بدلاً من استخدام ماكينة التجفيف. وحاول استخدام خافق السجاد القديم للحصول على سجادة نظيفة بدلاً من المكنسة الكهربائية؛ لأن حركة التنظيف اليدوي تمنحك نشاطاً لافتاً.

 

أسبوع يكفي

إن السعي نحو العودة للوراء سيكون عاملاً ضرورياً لتفادي الكثير من الأوبئة كتلك التي أحدثت فجوات في البناء الجسماني. لذا فإن الاعتماد على أسلوب الحياة الموجود في زمن الآباء ولو لمدة أسبوع سيؤدي إلى إحداث التغيير في دورة الحياة. فمن ذكريات الزمن الجميل هو ذلك المنظر عندما تقف الأم وهي تحمص الخبز أمام موقد النار المفتوح ومن ثم تنشر الزبدة على الخبز.

كانت رائحة الأشياء كلها جميلة لاسيما تلك الطقوس التي تقوم بها العائلة كل يوم جمعة في التعاطي مع زجاجة الحليب التي يمكن أن تعطي زبدة طازجة عندما تخفق الأم الحليب، وبذلك تكون الفائدة مزدوجة. وهناك أيضاً الكثير من الأكلات الطبيعية والخالية من الكيماويات التي تقتل حتى الفوائد.

 

العودة للعادات الصحية السليمة

إن التفكير بهذا المشروع الذي يهدف للعودة إلى العادات الصحية التي لها فائدة فورية ومباشرة على أجسادنا يتبلور عندما ندرك حجم تغير الحياة وإلى أي مدى أصبحنا نعتمد على الأجهزة لتوفير الجهد، حيث توفر لنا الأدوات والسيارات الخاصة جهداً تكاد تكون فائدته عظمى. وهناك من الناس ممن يملكون الفرصة للتغيير في نمط الحياة والعودة للوراء، لكنهم لا يفعلون، فمثلاً هناك من يستطيع الاعتماد على المشي أو ركوب الدراجة الهوائية لكنه لا يفعل.

في الزمن الجميل ليس هناك من يستخدم السيارة عندما تكون المسافة قصيرة. كما أن المشي إلى السوبر ماركت عادة يحرص عليها الجميع بل يفكرون في أن تكون الجولة أطول قليلاً حتى يبذل جهداً أكبر. أما الاعتماد على النفس في حمل الأشياء فإنه كان يتجاوز قيام الشخص بحملها بنفسه وصولاً إلى المنزل بدلاً بالتفكير بمن يحملها إلى باب السيارة كما يحصل حالياً.

اليوم كل شخص يشعر بأنه مستنفد بعد حمل كيسين إلى المنزل، ونشعر أن معدلات دقات قلوبنا زادت عن الحالة الطبيعية. ومع ذلك، فإن هناك من يقول الجو حار جداً فلا يستطيع أن يتحمل تلك الحرارة وهكذا وجد نفسه تتوق لاستخدام السيارة. وبمجرد أن يراودنا شعور بالتعب فإننا نعتبره دليلاً على نشاط إضافي قمنا به.

 

التغيير في زمن قياسي

وبلا شك أن نمط الحياة أخذ يميل إلى الاعتماد على الوجبات الجاهزة الممتلئة بسعرات حرارية لها آثارها السلبية، لذا فإن مجرد حظرها لأسبوع كامل سنكتشف حجم التغيير، لاسيما عندما يكون الاعتماد في هذه الفترة على تناول طعام الغداء الطازج المستند على الخضراوات فضلاً عن الأسماك. وبالتأكيد إن تجربة التسوق واختيار الغذاء محلياً يعتبر من الإنجازات بدلاً من مجرد تحميل عربة التسوق بأشياء كثيرة تكاد تكون فائدتها محدودة.

في الستينيات لم يكن المنزل يحوي أشياء كثيرة ووجبات الطعام بسيطة جداً ولا تحوي هذا الكمّ الهائل من الأطعمة والمقبلات والحلويات والمشروبات، فضلاً عن أن أي زيادة في الأعباء المنزلية، من الكنس إلى التلميع بحماس كبير أو تنظيف الحمام أو القيام بأي جهد عضلي لها مردودات طيبة على الأجساد وعلى النفوس.

وبالتأكيد إن اتباع بعض النشاطات والتخلي عن بعض العادات سوف يؤتي ثماره خلال فترة قياسية فيما لو كان هناك انضباط واعٍ لما نواجه من مشكلات بسبب تلك اللاأبالية التي يتم فيها التعامل مع حياتنا التي يجب أن تبقى ثمينة وألا نضيعها بأيدينا. على الجميع أن يحاولوا العودة للستينيات، وفي الأسبوع سبعة أيام وبالإمكان اختيار أيّ من هذه الأيام وأن نحقق فيها هدفنا في حياة خالية من منغصات الحداثة التي سببت لنا الكثير من المتاعب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مهاتير محمد .. الطبيب الذي…

مهاتير محمد .. الطبيب الذي قاد الأمة الماليزية نحو حضارتها !

 

20161018-03__drmahteermohammed

وُلد في مدينة ألورسيتار في ولاية قدح في الـ 20 من ديسمبر من العام 1925. هو الابن التاسع والأصغر لوالده الأستاذ والمعلّم المدرسي “محمد إسكندر”، من أصول هندية من ولاية خير الله الذي هاجر منها بعد ذلك؛ أما والدة مهاتير “وان تامباوان”، فهي من شبه جزيرة ملايو.

التحق مهاتير بكلية السلطان عبد الحميد في ألورسيتار، ثم بعد ذلك كلية الملك إدوارد السابع الطبّية “جامعة سنغافورة حالياً”. عَمل مُحرراً في صحيفة “ستريتس تايمز”، وكان رئيساً لجمعية الطلبة المسلمين في الكلية.

تخرج عام 1953، وخدم في الحكومة الماليزية ضابط خدمات طبّية، وتزوج زميلته الطبيبة “ستى حازمة محمد علي”، و أنجب منها ثمانية أبناء “خمسة أبناء، و ثلات بنات”.

 

يخبرنا التاريخ أن لكل وطن فرسانه ورجاله الذين يؤدون واجبهم تجاه شعوبهم وأوطانهم ويواجهون التحديات والصعاب، ويدفعون الغالى والرخيص من أجل النهوض بالوطن وإسعاد الشعوب مهما كلف الأمر من عناء وتضحيات..

تاركين وراءهم سيرة عطرة بعد أن يتواروون عن الأضواء..؛ وعند الحديث عن هؤلاء يبرز دور مهاتير محمد أحد الذين سطع نجمهم فى تاريخ ماليزيا الحديث.

ولعل أبرز ما يميز المرحلة المهاتيرية تلك الطفرة الاقتصادية اللافتة؛ والتى أصبحت فيها ماليزيا دولة صناعية متقدمة يساهم فيها قطاعا الصناعة والخِدمات بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي.

فقد استطاع مهاتير محمد تحويل ماليزيا من دولة فقيرة ومتخلفة إلى نمر اقتصادى يوازى فى تحوله التجرِبة اليابانية؛ وهى التجرِبة التى استلهمها مهاتير نفسه كنموذج للتنمية فى ماليزيا..

وتمكن من تغيير وجه ماليزيا والنهوض بها تنمويا وجعلها في مصاف الدول الاقتصادية المتقدمة؛ حيث تمكن من الانتقال بها من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير السلع البسيطة إلى دولة صناعية متقدمة، فأصبح الفكرالتنموي للزعيم الماليزي مهاتير محمد مثالاً يحتذي به.*

ركائز اساسية ..

لعل من الأمور اللافتة للنظر في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العِرْقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة وهي: المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.

فقد عمل على الوحدة بين فئات الشعب مع اختلاف دياناتهم؛ حيث توجد الديانة الأساسية وهي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية.

وينص الدستور الماليزي على أن “الدين الرسمي للدولة هو الإسلام مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى “؛ لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات.

والركيزة الثانية في خطة التنمية تمثلت في البحث عن دولة مناسبة تقوم بعملية الدعم لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية؛ وكانت هذه الدولة هي اليابان التي أصبحت من أكبر حلفاء ماليزيا في مشروعها نحو التنمية والتقدم.

وتتمثل الركيزة الثالثة فى العمل على جذب الاستثمار نحو ماليزيا وتوجيه الأنظار إليها.

كما قام مهاتير محمد بإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال بالبلاد سريعا إلى مرحلة أخرى أكثر تقدما مع تحقيق إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي.**

منهج تنموى

تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي والذى دفع بالمالايا نحو النهضة التنموية؛ وذلك من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما شجع على تعلم اللغة الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج والتواصل مع الجامعات الأجنبية.

وفي إطار سياسته الاقتصادية عمل على تجهيز المواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية كي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب؛ حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود بارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر.

واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرهما إلى دولة صناعية متقدمة، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا.. ما أدى إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.

ونتيجة لهذا انخفض أعداد المواطنين ممن هم تحت خط الفقر من ٥٢% فى عام ١٩٧٠ إلى ٥% فقط فى ٢٠٠٢، وارتفع متوسط دخل المواطن من ١٢٤٧ دولارا فى عام ١٩٧٠ الى ٨٨٦٢ دولارا فى عام ٢٠٠٢، وانخفضت البطالة إلى ٣%.

لقد رفض مهاتير فكرة العولمة وفقا للمنظور الأمريكى لأنها ستؤدى إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التى لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها فيستمر الاحتكار، بل رفض تطبيق السياسات التى أوصى بها صندوق النقد الدولى أثناء الأزمة المالية فى ماليزيا، وأصدر مجموعة قرارات تفرض قيودا على التحويلات النقدية من الخارج، وخالف سياسة تعويم العملة.

وانطلقت سياسة مهاتير في عدة محاور في وقت واحد، ولكنه قام بالتركيز على ثلاثة محاور بصفة خاصة وهي: محور التعليم ويوازيه محورالتصنيع ويأتي في خدمتهما المحورالاجتماعي.**

محور التعليم

كان اهتمام مهاتير محمد بالتعليم منذ مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية؛ فجعل هذه المرحلة جزءًا من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال وما قبل المدرسة مسجلة لدى وزارة التربية، وتلتزم بمنهج تعليمي مقرر من الوزارة.

كما تم إضافة مواد تُنمي المعاني الوطنية وتغرز روح الانتماء للتعليم الابتدائي – أي في السنة السادسة من عمر الطفل.. ومن بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية التعليمية شاملة؛ فبجانب العلوم والآداب تُدرَّس مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية التي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم.

وإلى جانب ذلك كان إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية وتقنية البلاستيك، وكان من أشهر هذه المعاهد معهد التدريب الصناعي الماليزي، والذي ترعاه وزارة الموارد البشرية، وقد أصبح له تسعة فروع في مختلف الولايات الماليزية.

وتوافقًا مع ثورة عصر التقنية قامت الحكومة الماليزية في عام 1996م بوضع خطة تقنية شاملة من أهم أهدافها إدخال الحاسب الآلي والارتباط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة بل في كل فصل دراسي؛ وبالفعل بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت في ديسمبر 1999م أكثر من 90% وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسية 45%..

كما أنشأت الحكومة الماليزية العديد مما يعرف بالمدارس الذكية التي تتوفر فيها مواد دراسية تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنية الجديدة؛ وذلك من خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة التي لا تحدث تلوثًا بالبيئة.

وتنفذ عملية التدريس والتعليم في هذه المدارس وفقًا لحاجات الطلاب وقدراتهم ومستوياتهم الدراسية المختلفة، ويتم اختيار مدير المدرسة من القيادات التربوية البارزة، ويساعده فريق من الأساتذة ممن لديهم قدرات مهنية ممتازة، كما تتيح مشاركة الطلاب في اختيار البرامج الدراسية، بجانب حرص هذه المدارس على التنويع والتطوير في أساليب التدريس مثل الرحلات العلمية والأيام الترفيهية.

وحددت الدولة أولوياتها بدقة؛ فإذا نظرنا إلى إجمالي ما أنفقته الحكومة الماليزية على التعليم في عام 1996م على سبيل المثال نجده 2.9 مليار دولار بنسبة 21.7% من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي، وازداد هذا المبلغ إلى 3.7 مليار دولار عام 2000م بما يعادل نسبة 23.8% من إجمالي النفقات الحكومية.

وكان إنفاق هذه المبالغ على بناء مدارس جديدة وخاصة المدرس الفنية، وإنشاء معامل للعلوم والكمبيوتر، ومنح قروض لمواصلة التعليم العالي داخل وخارج البلاد..
بالإضافة إلى الدعم والتسهيلات الكبيرة التي تقدمها الدولة، فإن إلزامية التعليم أصبحت من الأمور التي لا جدال فيها، وأصبح القانون الماليزي يعاقب الآباء الذين لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس .

يأتى هذا الى جانب الحرص على الانفتاح والاستفادة من النظم التعليمية المتطورة في الدول المتقدمة، وفي هذا السياق تم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية جامعية خاصة تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع جامعات في الخارج، كما أتاحت الفرصة للطلاب الماليزيين لمواصلة دراستهم في الجامعات الأجنبية..

ومن اللافت تلك الفكرة الجديدة التي قامت بها الحكومة الماليزية عندما عملت على تقوية العَلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص – أى أنها عملت على فتح المجال لاستخدام أنشطة البحث الجامعية لأغراض تجارية..

وانسحب تأثير ذلك على الجميع؛ فلم تعد الحكومة مطالبة بدعم كل الأنشطة البحثية بمفردها بل شاركتها في ذلك المصانع والمؤسسات المالية والاقتصادية – كل حسب حاجته..

وفي ذات الوقت لا تكاد تجد مركز أبحاث يشكو من قلة الدعم الحكومي؛ هذا إضافة إلى أن الدولة استطاعت أن توجه ما كان يمكن أن يصرف على هذه الأنشطة إلى مصارف أخرى مهمة؛ ومن جراء ذلك امتلكت المصانع الماليزية القدرة على التطوير بل والابتكار والمنافسة وإثبات وجودها في الأسواق المحلية والعالمية.

واهتمت الحكومة بالمرأة الماليزية والتي حصلت على نصيبها من التعليم كالرجل تمامًا، بل تُقدِّم الحكومة قروضًا بدون فوائد لتمكين الآباء من إرسال بناتِهم إلى المدارس وتوفير مستلزمات المدرسة، وتعطي الفقراء مساعدات مجانية لهذا الغرض.**

محور التصنيع .. سيارة ماليزية

وبالتوازي مع الاهتمام بالتعليم دخلت ماليزيا في التسعينيات مرحلة صناعية مهمة؛ وذلك حين شجعت الصناعات ذات التقنية العالية وأولتها عناية خاصة، كما عملت على التصنيع فى الأسمنت والحديد والصلب، بل وتصنيع السيارة الماليزية الوطنية (بريتون)، ثم التوسع في صناعة النسيج وصناعة الإلكترونيات والتي صارت تساهم بثلثي القيمة المضافة للقطاع الصناعي وتستوعب 40% من العمالة.

وقد كان ذلك بعد أن توافر لديها جيل جديد من العمالة الماهرة المتعلمة والمدربة بأحدث الوسائل فأصبح في مقدورها إثبات وجودها بل والمنافسة على الصدارة.

ولعل من مؤشرات نجاح الأداء الاقتصادي لماليزيا في الفترة المهاتيرية ذلك التوسع الذي حدث في استثمارات القطاع الصناعي؛ حيث أنشئ أكثر من 15 ألف مشروع صناعي بإجمالي رأس مال وصل إلى 220 مليار دولار، وشكلت المشروعات الأجنبية حوالي 54% من هذه المشاريع ما يعكس مدى الاطمئنان الذي يحمله المستثمر الأجنبي لماليزيا من ناحية الأمان وضمان الربحية العالية، بينما مثلت المشروعات المحلية 46% من هذه المشاريع.

وكان لهذه المشروعات عظيم الأثر والنفع على الشعب الماليزي؛ حيث وفرت مليوني وظيفة، إلى جانب الفائدة الكبرى المتمثلة في نقل التقنية الحديثة وتطوير مهارات العمالة الماليزية..

أيضًا تحققت في فترة ولاية مهاتير محمد طفرة ملحوظة في مشروعات الاتصالات والمعلومات التي كانت تحظى باهتمام ودعم حكومته كعنصر مهم من عناصر خطته التنموية، وكان يسميه “الاقتصاد المعرفي”، وبالفعل أصبحت ماليزيا محطة إقليمية وعالمية في مجال صناعة الاتصالات والمعلومات والإنترنت.**

مهاتير..والازمة المالية

لعب مهاتير دورا بارزا في إدارته للأزمة المالية التي عصفت بكل دول شرق آسيا؛ ففي نهاية التسعينيات تعرضت العملة الماليزية وهي “الرينجيت” إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا وبالأخص من جانب المستثمرين الأجانب، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل.

وبعد بحث مستفيض للموضوع أصدر مهاتير محمد مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات .

يأتى هذا في الوقت الذي اتجهت فيه معظم الدول لسياسة تعويم العملة تنفيذًا لنصائح صندوق النقد الدولي، ورغم ضغوط البنك الدولي أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة وبفضلها اجتازت ماليزيـا هذه الأزمة بأقل الخسائر بل إن دولاً كثيرة درست سياسته وحاولت تكرارها والاستفادة منها..

القدوة.. والادارة الجيدة

ويمكننا أن نستخلص من التجرِبة المهاتيرية أن هناك عاملين أساسيين ساهما في نجاح مهاتير محمد أوَّلهما: “القدوة” بمعنى حرصه على البداية من حيث انتهى الآخرون؛ ونجد هذه القاعدة بوضوح عندما قرر البحث في تجارب الدول الناجحة والتعرف على الطرق التي سلكوها لتحصيل النجاح والاختيار من بينها، إلى جانب التعرف على الأخطاء التي وقعوا فيها والمشاكل التي واجهتهم في طريقهم حتى يتجنبها..

مع الانتباه إلى أنه ما يصلح لدولة ليس بالضرورة أن يصلح لغيرها؛ ولذا كان عليه أن يتحرى بدقة لاختيار النموذج الذي سيصبح القدوة للدولة الماليزيـة الناشئة، واستقر في النهاية على اتخاذ اليابان كقدوة لبلاده للتشابه الكبير بين ظروفهما من حيث قلة الموارد الطبيعية، وتركيز اليابان على العنصر البشري وتنمية مهاراته وإعداده لبناء نهضتها الصناعية، بجانب حرصها على الجانب الخلقي وغرس المفاهيم مثل أهمية العمل الجماعي وأهمية الانتماء للوطن والعمل على رفعته.

أمَّا العامل الثاني فهو “الإدارة الجيدة”؛ فبعدما توافرت إرادة النجاح لدى المجتمع الماليزي بجانب تكوين قاعدة ارتكاز معقولة من تعليم جيد وقدر معتبر من صناعات وطنية تتجه نحو تحقيق الاكتفاء، بقي دور القائد الماهر الذي يستطيع إدارة هذه العوامل ويجيد استخدامها ليصل إلى النجاح المنشود؛ هذا الدور الذي قام به باقتدار الدكتور مهاتير محمد.

ولم يكن الأمر سهلاً؛ فقد كان عليه أن يستنهض همة شعب بكامله ويحفزه للعمل، ونراه يتابع تنفيذ مراحل خطته دون كلل، ونراه يقضي على أية محاولة لإثارة الفتنة بين التركيبة الصعبة للمجتمع الماليزي بكل حزم؛ وذلك بجانب حرصه على تنفيذ سياسة خارجية متميزة جعلت له مكانة في المحافل الدولية كمفكر وصاحب رأي.