لماذا علينا العودة للزمن الجميل ؟
نحو حياة خالية من منغصات الحداثة





ترجمة – كريم المالكي:
أي زيادة في الأعباء المنزلية لها مردود طيب على الجسد والنفس
منذ أكثر من نصف قرن ونحن نرى الحياة الصحية تشهد تحسناً لافتاً، لكن في الوقت نفسه ثمة أوبئة جديدة بدأت تضرب بني البشر، وقد تكون في الأساس من صنع أيديهم. وبات الكثير من الناس يشكو أمراضاً كثيرة ومن بين أكثر ما يعانونه، وباء السمنة، التي صارت تضرب معظم المجتمعات، وبالتالي فإن هذا يجعلنا نفكّر وبجدية، لماذا يجب علينا العودة إلى ذلك الزمن الجميل والبسيط، وإلى تلك الأيام التي كان يتمتع فيها أهلنا بصحة وعافية ينافسون بها حتى الرياضيين بفضل اعتمادهم على ما هو بسيط وطبيعي وطازج بحسبما ذكرته صحيفة الديلي إكسبريس البريطانية.
فلو عدنا إلى الستينيات لتذكرنا كيف أن أمراضاً كثيرة كانت تُودي بحياة الناس لعدم وجود دواء يوقف المرض، وكيف أن شلل الأطفال كان يشكل تهديداً رئيسياً. علماً أن أهلنا في تلك السنوات كانوا لا يستطيعون الإقلاع عن محاولة إضافة الحليب المكثف بالسكر إلى الشاي، الذي له آثار كبيرة على الصحة.
والسؤال إذن، ما الذي تغيّر في نمط الحياة ؟ وما الذي علينا أن نفعله دون أن نربك حياتنا. وهل علينا أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء حتى نستفيد مما كان يجعل أهلنا أصحّاء أقوياء.
السمنة القاتلة
تحسّنت معظم الجوانب الصحية بشكل كبير في السنوات الـ 50 الماضية، غير أن هناك إحصائية واحدة مثيرة للقلق، وهي أنه وسط كل المنجزات التي تحقّقت في منع وعلاج الأمراض، ارتفعت على الجانب الآخر معدلات البدانة بنسب لافتة للنظر منذ بضعة عقود. وخلصت الدراسات الجديدة، التي بحثت في كيفية تغيير نهج النظام الغذائي وممارساته منذ عقد الستينيات حتى الآن، إلى أن التحولات الخفية التي حدثت في حياتنا اليومية هي المسؤولة عن وباء البدانة.
ويذهب الخبراء – ومن خلال الحملات التي تهدف لجعل الناس يأكلون غذاء بحمية أفضل ليصبحوا أكثر نشاطاً – إلى ضرورة تبني بعض العادات الجيدة التي فقدناها أو تخلينا عنها خلال العقود الثلاثة الماضية على أقل تقدير. وفي الحقيقة لابد من عودة إلى الوراء من أجل أن يكون الإنسان في أعلى مستويات الجاهزية الصحية والبدنية ليواجه السمنة القاتلة.
أغذية بسيطة وطازجة
في معظم الأسر كان هناك نمط معتاد بالتعاطي مع اللحوم والخضراوات والأسماك لاسيما أيام الجمع. وكانت المتاجر الكبرى لا تزال في مراحلها الأولى أو غير موجودة أو قليلة، حيث إن معظم الناس كانوا يذهبون للتسوق بشكل غير يومي، وفي الغالب تُملأ السلة بأشياء بسيطة جداً.
وتكون معظم الفاكهة والخضر من الخارج، بما في ذلك الطماطم التي لا تتوفر على مدار السنة، لكنها فيما بعد أصبحت متاحة على نطاق أوسع لكنها محدودة جداً. أما الجبن وبعض الرقائق فقد وصلت في وقت لاحق. وعلى الرغم من أن الأغذية المجمدة أصبحت أمراً شائعاً في معظم المنازل، لكن فيما مضى لم تكن هناك ثلاجة، الأمر الذي جعل معظم الأسر تعتمد على الأطعمة الطازجة، والأغذية والمنتجات المتاحة موسمياً.
تأثيرات خارجية
إن الهجرة الجماعية خلال الفترات الماضية تسببت بوصول الأكل الهندي، لكن معظم العائلات كانت في البداية نادراً ما تأكل تلك الأطعمة. وكان الخيار الوحيد هو الوجبات الجاهزة المكونة من الأسماك والبطاطا. وفي بعض الأحيان هناك وجبات جاهزة أصبحت هي الوحيدة المتاحة على نطاق واسع في السبعينيات.
لم يكن هناك هذا الكمّ الهائل من أنواع القهوة مثل الكابتشينو أو القهوة بالحليب، أو القهوة التركي أو غيرها من الأنواع الأخرى. وأعتقد أن هناك نوعاً واحداً هو القهوة العربية الشقراء التي كما يعرف الجميع أنها ذات فائدة صحية. ويقول الاختصاصيون إن أكبر تغيير في عادات الأكل وعدد وجبات الطعام الآن هو الأكل خارج المنزل وغالباً ما تكون الوجبات التي تؤكل بعيداً عن المنزل أعلى من حيث السعرات الحرارية وبأحجام أكبر من تلك الوجبات التي نتناولها في المنزل.
التخلّص من العادات الدخيلة
في البداية، لابد من التخلص من كل ما هو دخيل علينا، بما فيها المشروبات بكل أنواعها من التي تكون عادة محملة بسعرات حرارية كبيرة. ومن الواجب التخلي عن عادات الشرب السيئة، وبالإمكان التخلص من تلك العادات الذميمة من خلال الأجهزة المختصة بمكافحة هكذا آفات اجتماعية. أما إذا كنت من الأشخاص الذين يأكلون كثيراً فعليك أن تحاول تجنب تناول الأطعمة الدسمة واختيار وجبة واحدة أو وجبتين بدلاً من ثلاث وجبات.
التخلص من عادات الشرب السيئة بما فيها عادات الأكثار من شرب القهوة بالحليب والكابتشينو، والتي هي عادة تحتوي على سعرات حرارية عالية. وبالإمكان تجريب كوب من الشاي المخلوط بلبن منزوع الدسم. علينا تناول الخضر الطازجة الموسمية أكثر واختيار الأسماك، لأنها وجبة صحية، لاسيما أيام العطل. واستبدل الحلويات أو السكريات بالحبوب المعالجة لاحتوائها على الحبوب ذات الألياف العالية.
المشي وركوب الدراجة
بحلول ذلك العقد الذي بدأت فيه السيارات بالدخول إلى البلاد كانت معظم العائلات تمتلك سيارة واحدة، ولكن كانت هناك عادتان لم يتم التخلي عنهما في تلك الأوقات هما المشي أو ركوب الدراجة عند الذهاب إلى العمل أو عند التسوق من المحلات التجارية. إن العودة إلى تلك الممارسات من شأنها أن تقضي على ذلك الوباء الذي اسمه سمنة.
كان هناك المزيد من الاعتماد على وسائل النقل العامة، حيث كان على الناس أن يسيروا إلى مواقف الحافلات أو على سبيل المثال المشي عندما تكون الأماكن التي يقصدونها قريبة كأن تكون زيارة الأصدقاء أو الأقارب. وتقول الدراسات: إن المشي انخفض بشكل مطرد مع تزايد تملك السيارات، والآن معظم الناس أقل نشاطاً بسبب قلة الحركة.
غسل السيارة باليد
غسل السيارة باليد بدلاً من الذهاب إلى محطة الغسيل الآلي سيوفر فرصة كبيرة لبذل مجهود جسدي. حاول أن تسير على الأقدام عند الذهاب إلى الأسواق على أقل تقدير من حين لآخر واحمل ما تشتريه من السوق إلى المنزل بدلاً من أن تستخدم السيارة. وإذا كنت ممن يشتري طعامه من المحلات الصغيرة فسوف تتفاجأ عن المديات الإضافية التي ستمشيها فيما لو كنت قد اتخذت قرارك في السير على قدميك بدلاً من استخدام السيارة عند الذهاب لأسواق بعيدة.
مشاهدة التلفزيون
في بداية الستينيات كانت ثلاثة أرباع المنازل لديها جهاز تلفزيون أبيض وأسود، ومع تقدم الزمن أصبح لدى كل عائلة جهاز وأخذت النسبة تتزايد إلى أن أصبح في كل غرفة تلفزيون، وهناك من يضعه في أماكن لا يسمح المكان بوضعه فيها. في البداية، كان هناك خيار واحد يكاد يتمثل بالقناة المحلية ومن ثم أخذت القنوات تتزايد إلى اثنتين وثلاث، إلى أن أصبحت الآن الأقمار الصناعية تأتي لك بالغثّ والسمين من القنوات.
ومع ذلك، كان التلفزيون لا يبدأ إلا في وقت متأخر من المساء في معظم أيام الأسبوع، وربما هناك استثناء في يوم الجمعة، حيث يبدأ الإرسال صباحاً. وكانت هناك فترات طويلة مخصصة للأطفال. كما لم تكن هناك أجهزة التحكم عن بعد، ولم يكن هناك إرسال نهاري في التلفزيون ولا توجد أجهزة الفيديو.
ويقول أحد الخبراء: إن الأم اعتادت تقليدياً أن تعد وجبة الطعام عند عودة الأطفال من المدرسة، ولأنها لا تريد لهم أن يعيقوا حركتها أثناء العمل في إعداد الطعام كانت ترسلهم إلى اللعب خارج المنزل، وقد أثبتت البحوث أن الفترة التي تسبق وجبة الطعام تعدّ وقتاً مهماً للأطفال ليكونوا على درجة من النشاط.
قم ببعض التمارين الرياضية أو ممارسة أي الألعاب الحركية وكذلك لتكون هذه الممارسة روتينية بعد عودة طفلك من المدرسة حاول أن تقلل وتحدد الوقت الذي تنفقه في استخدام أجهزة الكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون. وإذا كنت داخل المنزل خلال النهار، فمن الأفضل الذهاب للنزهة لمدة نصف ساعة.
الأعمال المنزلية
يعتقد الباحثون أن الأعمال المنزلية تساعد الأم في أن تكون أكثر لياقة وحيوية، لاسيما تلك التي تحافظ على البقاء المتواصل داخل البيت لإنجاز احتياجاته. وقد وجد الباحثون أن عدم وجود أجهزة ادخار الجهد اليدوي، مثل غسالات الصحون، والمجففات في السابق جعل النساء تقضي الكثير من الوقت – قد يصل إلى أكثر من الضعف – عند القيام بالأعمال المنزلية.
وعلى سبيل المثال عندما يكون الجو ملائماً فبالإمكان نشر الغسيل على الحبل بدلاً من رميه في ماكينة تجفيف الملابس. ومن الأفضل التحول نحو الغسل بواسطة اليدين مرة واحدة في الأسبوع على الاقل بدلاً من استخدام ماكينة التجفيف. وحاول استخدام خافق السجاد القديم للحصول على سجادة نظيفة بدلاً من المكنسة الكهربائية؛ لأن حركة التنظيف اليدوي تمنحك نشاطاً لافتاً.
أسبوع يكفي
إن السعي نحو العودة للوراء سيكون عاملاً ضرورياً لتفادي الكثير من الأوبئة كتلك التي أحدثت فجوات في البناء الجسماني. لذا فإن الاعتماد على أسلوب الحياة الموجود في زمن الآباء ولو لمدة أسبوع سيؤدي إلى إحداث التغيير في دورة الحياة. فمن ذكريات الزمن الجميل هو ذلك المنظر عندما تقف الأم وهي تحمص الخبز أمام موقد النار المفتوح ومن ثم تنشر الزبدة على الخبز.
كانت رائحة الأشياء كلها جميلة لاسيما تلك الطقوس التي تقوم بها العائلة كل يوم جمعة في التعاطي مع زجاجة الحليب التي يمكن أن تعطي زبدة طازجة عندما تخفق الأم الحليب، وبذلك تكون الفائدة مزدوجة. وهناك أيضاً الكثير من الأكلات الطبيعية والخالية من الكيماويات التي تقتل حتى الفوائد.
العودة للعادات الصحية السليمة
إن التفكير بهذا المشروع الذي يهدف للعودة إلى العادات الصحية التي لها فائدة فورية ومباشرة على أجسادنا يتبلور عندما ندرك حجم تغير الحياة وإلى أي مدى أصبحنا نعتمد على الأجهزة لتوفير الجهد، حيث توفر لنا الأدوات والسيارات الخاصة جهداً تكاد تكون فائدته عظمى. وهناك من الناس ممن يملكون الفرصة للتغيير في نمط الحياة والعودة للوراء، لكنهم لا يفعلون، فمثلاً هناك من يستطيع الاعتماد على المشي أو ركوب الدراجة الهوائية لكنه لا يفعل.
في الزمن الجميل ليس هناك من يستخدم السيارة عندما تكون المسافة قصيرة. كما أن المشي إلى السوبر ماركت عادة يحرص عليها الجميع بل يفكرون في أن تكون الجولة أطول قليلاً حتى يبذل جهداً أكبر. أما الاعتماد على النفس في حمل الأشياء فإنه كان يتجاوز قيام الشخص بحملها بنفسه وصولاً إلى المنزل بدلاً بالتفكير بمن يحملها إلى باب السيارة كما يحصل حالياً.
اليوم كل شخص يشعر بأنه مستنفد بعد حمل كيسين إلى المنزل، ونشعر أن معدلات دقات قلوبنا زادت عن الحالة الطبيعية. ومع ذلك، فإن هناك من يقول الجو حار جداً فلا يستطيع أن يتحمل تلك الحرارة وهكذا وجد نفسه تتوق لاستخدام السيارة. وبمجرد أن يراودنا شعور بالتعب فإننا نعتبره دليلاً على نشاط إضافي قمنا به.
التغيير في زمن قياسي
وبلا شك أن نمط الحياة أخذ يميل إلى الاعتماد على الوجبات الجاهزة الممتلئة بسعرات حرارية لها آثارها السلبية، لذا فإن مجرد حظرها لأسبوع كامل سنكتشف حجم التغيير، لاسيما عندما يكون الاعتماد في هذه الفترة على تناول طعام الغداء الطازج المستند على الخضراوات فضلاً عن الأسماك. وبالتأكيد إن تجربة التسوق واختيار الغذاء محلياً يعتبر من الإنجازات بدلاً من مجرد تحميل عربة التسوق بأشياء كثيرة تكاد تكون فائدتها محدودة.
في الستينيات لم يكن المنزل يحوي أشياء كثيرة ووجبات الطعام بسيطة جداً ولا تحوي هذا الكمّ الهائل من الأطعمة والمقبلات والحلويات والمشروبات، فضلاً عن أن أي زيادة في الأعباء المنزلية، من الكنس إلى التلميع بحماس كبير أو تنظيف الحمام أو القيام بأي جهد عضلي لها مردودات طيبة على الأجساد وعلى النفوس.
وبالتأكيد إن اتباع بعض النشاطات والتخلي عن بعض العادات سوف يؤتي ثماره خلال فترة قياسية فيما لو كان هناك انضباط واعٍ لما نواجه من مشكلات بسبب تلك اللاأبالية التي يتم فيها التعامل مع حياتنا التي يجب أن تبقى ثمينة وألا نضيعها بأيدينا. على الجميع أن يحاولوا العودة للستينيات، وفي الأسبوع سبعة أيام وبالإمكان اختيار أيّ من هذه الأيام وأن نحقق فيها هدفنا في حياة خالية من منغصات الحداثة التي سببت لنا الكثير من المتاعب.