الحرب العالمية القادمة اقتصادية و ليست إيديولوجية !
بقلم : د. أحمد القديدي
قيمة صرف الدولار بالنسبة لليورو يوم الاقتراع على انتخاب الرئيس الأمريكي القادم (أو الرئيسة القادمة) يوم الثامن من نوفمبر 2016 ستساهم في رفع أسهم هذا أو تلك في الإقتراع و ذلك لسبب واضح و بسيط وهو أن المجتمع الأمريكي مجتمع إقتصادي بالدرجة الأولى تدخل في اعتباره و تقديره قيمة عملته الأسطورية التي يسميها حسب لونها بالخضراء و يهم المواطن الأمريكي أن يكون دولاره أقوى العملات أي أن تكون الولايات المتحدة حسب هذا المؤشر النقدي أقوى دولة في العالم من حيث هيمنتها التقليدية على مصير الأقتصاد العالمي. وكما يعلم الناس فإن قيمة صرف الدولار مرتفعة منذ حوالي ستة شهور و تقترب تدريجيا من قيمة اليورو (المنافس الشرس للدولار) وهو ما سيخدم حتما المرشحة الديمقراطية السيدة هيلاري كلنتن في الإنتخابات لأن هذا المستوى المشرف للعملة الأمريكية محسوب للحزب الديمقراطي و للسيد باراك أوباما رغم أن الظروف الدولية هي التي كانت وراء هذا الإرتفاع و أن الخزينة الفيدرالية الأمريكية هي المحرك الأساسي لرفع قيمة الدولار. هذه القيمة تاريخية لأنها تحققت أثناء 2016 في عز تورط واشنطن في حروب الشرق الأوسط بإنخراط الجيوش الأمريكية في أزمات سوريا و العراق و ليبيا و قبل ذلك في أزمة أوكرانيا مما وضع أمريكا في مواجهات خطيرة و حرب عالمية ثالثة محتملة مع روسيا و ربما الصين كما تحقق ارتفاع الدولار أيضا بعد مرحلة الأزمات الخطيرة التي هزت الإقتصاد الأمريكي في 2008 و أصابت العدوى الأمريكية كل هياكل الإقتصاد العالمي من 2008 الى اليوم، وهو ما وصفته كل من الصحيفتين الاقتصاديتين الأكبر في الاتحاد الأوروبي: ليزيكو الفرنسية و فايننشل تايمز البريطانية “بالهوة التاريخية أو الرقم القياسي التاريخي” . و تلاحظ الصحيفتان أن الأخطر اليوم على الولايات المتحدة هو أن تتفاقم الأزمة بين واشنطن و الرياض بسبب التلويح السعودي و الخليجي عموما بسحب المخزون المالي المودع بالمصارف الأمريكية.
القوى الاقتصادية و النقدية العالمية بدأت تعيد حساباتها و تراجع سياساتها أمام العملة الخضراء التي اعتبرت منذ الحرب العالمية الثانية ” قاطرة العملات” أي الميزان الوحيد و الدائم لأسواق الصرف و حركات التجارة العالمية و مستوى مصداقية المصارف. فهذه روسيا الاتحادية تعلن يوم الثلاثاء الماضي عن إجراءات لتدعيم مخزونها من اليورو ( وهو يبلغ في العام الحالي 113 مليار يورو، حيث تضاعف خلال الثمانية أشهر الماضية،بعد أن كان لا يتجاوز 56 مليار يورو)، و يتدعم مخزون روسيا من الدولار كذلك باستمرار ليوازي المخزون الأمريكي !أما المصارف الأوروبية المجتمعة الأسبوع الماضي في البنك المركزي الأوروبي بفرانكفورت فإنها أعلنت أنها ستعمل على تجميد أرصدتها من الدولار و تعويضها تدريجيا بعملات أخرى مثل الين الياباني و اليوهان الصيني.
و قد تأكدت هذه التحولات النقدية الدولية بصدور تقرير المعهد الأوروبي للنشاطات المصرفية الذي يشير بوضوح إلى عمليات التحول عن الدولار التي تقوم بها المصارف الأوروبية ، و تقول السيدة/ لينا مورتنجن خبيرة الشؤون المالية و التي شاركت في تحرير التقرير بأن هذه الإجراءات سوف تستفيد منها كل العملات الأخرى و ليس اليورو وحده. و في هذا المناخ الصعب و المضطرب شرعت المرشحة الأمريكية الأوفر حظا السيدة هيلاري كلنتن في الإعلان عن حزمة من الالتزامات و التعهدات التي فرضتها الحملة الانتخابية و التي تتعلق بالتصدي لسقوط الدولار.