المضادات الحيوية والإستخدام الخاطئ
أنا من أشد المعجبين بالكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد وأقرأ كل ما يكتبه تقريبا .. ليس فقط لأسلوبه الجميل الراقى ولغته الجميلة السلسه .. ولكن أيضا لجدية وأهمية القضايا التى يتناولها .. وقد قرأت له مؤخرا فى جريدة الأهرام مقالا فى غاية الأهمية يحمل عنوان ” نهاية عصر المضادات الحيوية ! ” ويتناول فيه ما جاء فى التقرير العالمى الخطير الذى نشرته مجلات البحوث الطبية المتخصصة فى الولايات المتحدة وأشارت فيه إلى مدى خطورة الإسراف فى استخدام المضادات والذى أدى تكيف عدد كبير من الفيروسات والبكتريا مع هذه المضادات وتحوير نفسها فى أطوار جديدة لم يعد يجدى معها إستخدام هذه المضادات وهو ما يعد خسارة هائلة للجنس البشرى حيث أصبحت المضادات الحيوية ركنا أساسيا من أركان العلاج والدواء منذ منتصف القرن العشرين .
وأنا هنا لست بصدد تحليل أو سرد ما جاء فى هذا المقال الهام كما قد يتبادر إلى أذهان القراء الأعزاء .. ولكن لأؤكد على أن الإسراف يأتى بآثار عكسية وقد يكون مدعاة للتعرض للكثير من الأخطار .. والأخطر من ذلك هو الإستخدام الخاطئ للمستجدات وخاصة العلمية منها وعلى الأخص ما يتعلق بالصحة من حيث الطعام والعلاج .
ويحضرنى هنا المقولة التى يؤمن بها الأطباء البيطريون بأن صحة الإنسان تبدأ من صحة الحيوان .. وهى مقولة جد صحيحة حيث يلقى هذا الرأى تأييدا من علماء التغذية والأطباء البشريون وأساتذة الجامعات فى معظم أنحاء العالم .. ومن البديهى أن يكون ذلك صحيحا بالنسبة للإنسان العادى حيث أنه إذا ما توافرت العناية الصحية والرعاية للحيوان فإن ذلك سينعكس بطريقة إيجابية على الإنسان عندما يتناول لحوم هذه الحيوانات أو بيضها .. ولكن ما يحدث فى بعض أماكن تربية الحيوانات يكون عكس ذلك تماما حيث يلجأ المربون إلى إستخدام المضادات الحيوية فى تسمين الدجاج وهو ما ينذر بمخاطر جمة على صحة الإنسان لأن من سيتناول هذا الدجاج لن يستجيب جسمه لتلك المضادات عند إصابته ببعض الأمراض التى تستدعى تناولها .. وتأتى الأمراض التنفسية والرئوية فى صدارة هذه الأمراض وأخطرها مرض السل بطبيعة الحال وما يتداعى إلى الأذهان من خطورة وما يتسبب فيه من وفيات تكون معظمها قاسية ولا شك .
ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن هناك مريضا يعانى من مرض السل – ويكون فى معظم الأحيان من كبار السن فى الطبقات الفقيرة – وبعد رحلة طويلة مع الأمراض يودعه أهله مستشفى للأمراض الصدرية للعلاج .. وهناك يكون كل الأطباء متمرسون على مثل هذه الحالات التى خبروها مدة طويلة من الوقت .. ومن الطبيعى أن يلجأ هؤلاء الأطباء للمضادات الحيويه وهم واثقون من تحسن حالة المريض بإذن الله .. ولكن المريض يعانى وحالته تزداد سوءا وتتعاظم آلامه على عكس ما كان يأمله الجميع بما فيهم الأطباء الذين سيضربون أخماسا فى أسداس ولن يخطر ببالهم أن هذا المريض قد تناول لحم دجاج قد تم تسمينه بالمضادات الحيوية بشكل مفرط وعشوائى وبالتالى نشأت عند هذا المريض مناعة تدريجية . وما يقال عن مرض السل يندرج على العديد من الأمراض الخطيرة الأخرى ومنها السرطان .
والأكثر خطورة من كل ما سبق هو الإستخدام الخطأ للمضادات الحيوية إذ بمجرد شعور الإنسان بوعكة بسيطة حتى ولو إلتهاب بسيط فى الحلق يسارع بتناول مضاد حيوى ظنا منه أن ذلك أجدى وأنفع دون أن يدرى أن جسمه سيعتاد عليه وهو بهذا فى الواقع يدمر فرصة حقيقية لتلافى مرض خطير أو على الأقل أشد خطورة خاصة لدى الأطفال .
ونضيف إلى ما سبق تناول المضاد الحيوى الغير مناسب للمرض دون إستشارة الطبيب – وهو أمر حتمى ولازم – مما سيؤدى إلى نفس النتيجة السابقة .
وخلاصة ما سبق أن الإستمرار فى الإسراف فى إستخدام المضادات الحيوية سوف يبطل مفعول عدد كبير منها بحيث لن تصبح ذات فائدة فى علاج الإنسان أو حتى مواجهة الآفات الزراعية .. وهكذا يكون الإنسان نفسه بسبب جشع بعض من فئات مربى الحيوانات وأصحاب مزارع الدواجن قد تسبب فى تدمير أعظم سلاح ودمر أحد الأركان الأساسية التى إعتمد عليه الأطباء منذ منتصف القرن العشرين .. ونحن هنا نطلق صرخة عالية أن تكون هناك رقابة صارمة على إستخدام المضادات الحيوية بالنسبة للإنسان والحيوان على السواء لأننا لا نعلم كم سننتظر حتى يتم إكتشاف دواء جديد واسع الأثر يحل محل المضادات الحيوية .