«أمازون» تواجه معركة رقمية صعبة في الخليج

«أمازون» تواجه معركة رقمية صعبة في الخليج

 

سميون كير |

أثارت زيارة مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس، إلى دبي مول، في شهر نوفمبر الماضي، مع قطب العقارات محمد العبار، تكهنات محمومة حول تعاون بين الاثنين، يحدث تحولا في سوق التجارة الإلكترونية الوليدة في المنطقة.
لكن بعد بضعة أشهر فقط، قامت أمازون بدلا من ذلك بخطوة خاصة بها، حيث اختتمت  الأسبوع الماضي خمسة أشهر من المفاوضات بالموافقة على الاستحواذ على موقع سوق دوت كوم، البالغ من العمر 12 عاما. عملية الشراء هذه ستشعل معركة في سوق المبيعات الرقمية السريعة النمو في المنطقة مع الشخصيات التجارية الأكثر تأثيرا في الخليج.
يقول أحد رواد الأعمال الإقليميين في مجال الإنترنت: «يأتي بيزوس وأمازون إلى الشرق الأوسط، لتقوم  أم المعارك مع سكان البلاد المحليين». «السوق غير متطورة تماما، الشرق الأوسط وأفريقيا هما الجبهة الرقمية الأخيرة». المنافسة في السوق أصبحت فجأة شرسة.
وكان العبار، رئيس مجلس إدارة شركة التطوير العقاري إعمار في دبي، قد قام بزيارة مع بيزوس لأكبر مركز للتسوق في المنطقة، الذي يقع في ظل برج خليفة، أطول مبنى في العالم.
الاجتماع الذي استغرق ساعتين، قُرئ على نحو خاطئ من قبل الكثيرين في المنطقة، على اعتبار أنه مزيج لا مثيل له بين أكبر مالك لمتاجر التجزئة على الإنترنت في العالم، وملك العقارات في دبي، الذي تحول إلى رائد في مجال الإنترنت.
بعد أيام من الاجتماع، كشف رجل الأعمال في دبي عن خطط لإطلاق شركة نون، وهي شركة للتجارة الإلكترونية بقيمة مليار دولار، مع استثمار من صندوق الاستثمار العام السعودي.
ومن المتوقع إطلاق نون، وهي الآن في المراحل النهائية من الاختبار، «في غضون أسابيع». وتهدف خطة العبار إلى بناء عملاق تكنولوجي محلي، وهو مشروع يدعمه ولي لي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعتبر الاستثمار في التكنولوجيا مفتاحا لإصلاحات المملكة الطموحة التي تعتمد على النفط.
ولكن بعد أن تظهر الشركة أخيرا بعد شهرين من التأخير، سوف تجد أن السوق قد تغيرت بالفعل. موافقة أمازون الاستحواذ على سوق دوت كوم مقابل 650 مليون دولار على الأقل، ستجعل من الموقع على الفور أكبر منصة للتجارة الإلكترونية في المنطقة. عدد قليل من المحللين يراهنون على عملاق الإنترنت الأميركي بأن يتسبب بنفس نوع الاضطراب في قطاع التجزئة، الذي تسبب به في أماكن أخرى من العالم.
الشرق الأوسط يتخلف عن المناطق الأخرى، عندما يتعلق الأمر بتقبل الإقبال على التجارة الرقمية. إذ بلغت المبيعات عبر الإنترنت 5.3 مليارات دولار فقط في عام 2015، لكن من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2020، مع نمو سنوي قدره %30، وفقا لبحث أجرته شركة الاستشارات ايه تي كيرني.
وحتى الآن، شملت العقبات التي تعترض هذا القطاع سوء الخدمات اللوجستية والحواجز العابرة للحدود، إلى جانب نظم الدفع الرقمي غير المتطورة وانتشار المعاملات النقدية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض المبيعات الرقمية إلى %2 في سوق التجزئة، مقارنة بنسبة تصل إلى %15 في الأسواق الغربية الأكثر تطورا.
يقول عادل بلقايد، مدير قسم الاستشارات في شركة ايه تي كيرني، إن الاستثمار في البنية التحتية للدفع والتسليم يظهر أن «الأمور تتحرك في الاتجاه الصحيح». ويضيف «أنه أمر مثير أن تبدأ هذه المعركة، فهي سترفع مستوى التجارة الإلكترونية إلى مستويات جديدة. أمازون تأتي، وهي القائد بلا منازع في هذا الفضاء، لكن نون مدعومة من قبل مستثمرين كبار يعرفون سوق التجزئة بشكل جيد جدا».
وينظر إلى دخول أمازون على أنه تأكيد على أمكانات النمو في الشرق الأوسط من قبل الشركات المحلية. وكانت آخر عملية استحواذ على الإنترنت بهذا الحجم والأهمية والشهرة شراء ياهو لبوابة مكتوب في عام 2009.
وقد قامت أمازون بخطواتها الأولى في السوق. إذ افتتحت أمازون ويب سيرفيسز، إدارة الحوسبة السحابية التابع للمجموعة الأميركية، مكاتب لها في دبي والبحرين في يناير.
لكن شراء سوق دوت كوم، الذي يوظف إلى جانب الشركاء وجهات التوصيل حوالي 6000 موظف، سيسمح للشركة الأميركية العملاقة بتسريع دخول أعمالها الأساسية إلى الشرق الأوسط، وتجنب مشاكل النمو العضوي (زيادة الإنتاج وتعزيز المبيعات). وتقف هذه الاستراتيجية على النقيض من الأسواق الكبيرة الأخرى، مثل الهند والصين، حيث اختارت أمازون أن توسع منصتها الخاصة.
وصول أمازون إلى دول الخليج سيسمح للعملاء بالاستفادة من  ميزة الوفاء، وإنجاز الطلب في اليوم نفسه، أو في اليوم التالي، الذي يشيع استخدامه في معظم أنحاء العالم الغربي، وذلك باستخدام شبكة سوق دوت كوم القائمة أصلا، بما في ذلك مراكز الوفاء شبه المستقلة والمكاتب التقنية في الأردن والهند.
ومع ذلك، فان تفاصيل كيفية دمج أمازون عملياتها مع سوق دوت كوم لم تظهر بعد، حيث لا تزال الأسئلة عالقة حول ما إذا كانت ستحتفظ بما أصبح واحدا من العلامات التجارية على الإنترنت الأكثر شهرة في الشرق الأوسط، منذ أن تأسست في عام 2005، من قبل رجل الأعمال السوري رونالدو مشاور.
ومن المتوقع أن تحتفظ أمازون بالموظفين الرئيسيين، والاستثمار بكثافة للتوسع في منصة سوق دوت كوم القائمة، بحسب مصادر مطلعة على خطط الشركة.
وتسيطر أمازون بالفعل على شريحة كبيرة من سوق التوصيل وتسليم البضائع عبر الإنترنت من خارج المنطقة، وذلك باستخدام مجموعة الخدمات اللوجستية، التي تتخذ من دبي مقرا لها أرامكس كشريك، بحسب ما يقول أشخاص على بينة من هذه المسألة.
لكن تجار التجزئة المحليين ومستثمري الإنترنت غير مقتنعين بأن حجم أمازون سيعني نجاحا فوريا في السوق، حيث التواصل المحلي يعتبر أمرا حاسما لكسب دعم الموردين.
مع نون، التي لديها بالفعل ما يقرب من 500 موظف، تواجه أمازون منافسا محليا يتسم بالذكاء والتمويل الجيد، وشركة تملكت العام الماضي حصة في أرامكس، شريكها في التوصيل وتسليم البضائع، التي تعتبر العبار من بين المستثمرين الأكثر أهمية بالنسبة لها.
وكان العبار قال في مؤتمر مصرفي، عقد في وقت سابق من هذا الشهر، «إن الاستثمار في أرامكس يعكس الإيمان بأن التجارة الإلكترونية تتعلق بالخدمات اللوجستية». وأضاف أن منطقة الشرق الأوسط تأخرت في اعتمادها للتجارة الإلكترونية، لا سيما مع انتشار الهواتف الذكية بين الشباب الذين يستمون بالمهارة الرقمية.
وتدير الشركة المبتدئة تدشينا مبكرا غير رسمي لمركز «الوفاء»، بالقرب من مطار آل مكتوم الدولي في المدينة، ووعد بتقديم 20 مليون منتج مع مرور الوقت.
وفي معرض إظهار نفوذه في السوق، اتهم النقاد العبار بالضغط على تجار التجزئة في دبي مول لوضع منتجاتهم على منصته. وقد نفى التهمة قائلا إن لديه علاقات طويلة الأمد مع العلامات التجارية، التي هي سعيدة بالانضمام إلى نون.
ويقول المديرون التنفيذيون المحليون أيضا أن أمازون، التي تستغل ثقلها العالمي الضخم لخفض التكاليف، قد تواجه مقاومة من تجار التجزئة المحليين. وتغطي العديد من المنتجات، التي تقدمها أمازون في أماكن أخرى، اتفاقات وكالات حصرية أبرمتها العائلات المحلية القوية، التي قد تتصرف ضد أي محاولة لتقويض أرباحها.
كما تعمل شركات التجزئة الكبيرة، مثل مجموعة الفطيم وماجد الفطيم ولاندمارك والشايع، على استراتيجيات التجارة الإلكترونية الخاصة بها للاستعداد للمنافسة القادمة من أمازون ونون.
يقول سافيتار جاغتياني، رئيس قسم التجارة الإلكترونية في شركة لاندمارك: «في حين أن أمازون هي الرائد في مجال تجارة التجزئة الالكترونية، لكنها لا تملك فرصة كبيرة لدى شبكة متاجرنا التي تضم 2000 متجر».
ولا يزال تجار التجزئة المحليون يخشون من أن وجود أمازون سوف يشكل تحديا للعمليات، التي تعاني بالفعل من ضعف سوق التجزئة، حيث يؤثر انخفاض أسعار النفط وقوة الدولار سلبا على المشاعر والأجواء.
لكن هذا الوضع أدى ببعض متاجر التجزئة الأكثر طموحا إلى إعادة النظر في نماذج أعمالها. في الخليج، حيث تعمل مراكز التسوق المكيفة أيضا كملاذات من درجات الحرارة المرتفعة، ينفذ المشغلون تنوعا بعيدا عن البيع بالتجزئة، لتقديم المزيد من العروض «التجريبية» مثل الطعام والترفيه.
وكما يقول مسؤول تنفيذي في واحد من متاجر التجزئة الكبيرة «سوف تشكل أمازون تحولا كبيرا، لعبة جديدة كليا، لذلك سيكون على مشغلي مراكز التسوق أن يحدثوا تحولا وتغييرا، ونحن نقوم بذلك بالفعل. لكن دخول أمازون سيعجل الأمور بالتأكيد».

ترجمة وإعداد إيمان عطية

 

 

نحو فهم أعمق للنموذج الغربي

نحو فهم أعمق للنموذج الغربي

تأثر الخليجيون بالغرب مثل غيرهم، غير أن الوفرة المالية جعلتهم أكثر احتكاكاً بالمنتج الغربي والمنجز التقني، وربما تزايدت خلال العقود الماضية، حال التعلق بالأزياء والصرعات الغربية بسبب السفر، والتأثر بالأفلام السينمائية.

نموذج الغرب ساحر وآسر، وله مبرراته، ليكون النموذج المحتذى بالعالم، غير أن ذلك كله خيار شخصي متاح، والإعجاب بالحضارة الغربية ليس شتيمة، بل العجب أن ترى ما يبهرك ثم ما لا يبهرك، كما يعبر المفكر السعودي إبراهيم البليهي.

المتأمل للنجاحات التي حققها أولئك، يراها لا تنفصل عن العلم والفلسفة، ودور العلوم البحتة، مثل الرياضيات والفيزياء، بالنجاحات الأممية الغربية، التي بدأت بواكير نهضتها منذ القرن السادس عشر الميلادي، على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذي تمرّ ذكرى ولادته هذه الأيام، وذلك من خلال عبارته الفلسفية الشهيرة: «أنا أفكر إذاً أنا موجود»… مفهوم غيّر مجرى التاريخ، فهو يضم كلاً من (الذات- الفكر- الوجود)، ثلاثة مفاهيم سيطرت على جميع تاريخ السجالات الفكرية الغربية حتى الآن.

برغم الصراعات، والحروب الأهلية، والحربين العالميتين، إلا أن دولاً نهضت من كبوتها، وذلك لأسباب علمية خالصة، ويمكن اعتبار اليابان ضمن فلك المجتمع الغربي حالياً، لأنها واكبت كل النهوض الغربي.

أما ألمانيا، التي سوّيت مدنها بالأرض، فاستطاعت القيام من كبوتها خلال نصف قرنٍ فقط، ولذلك أسباب علمية واجتماعية، يشرح محمد عابد الجابري في كتابه: (التراث والحداثة)، شيئاً من أسرار ألمانيا، منذ بواكيرها وفتوّتها، وكيف ترى النمو الحضاري، فيقول: «بالجملة، لقد كانت فلسفة التاريخ في ألمانيا إطاراً أيديولوجياً تنعكس فيه بقوة رغبة الألمان بالوحدة والتقدم، وحدة الشعب الألماني المفكك، والتقدم للحاق بركب الدول الأوروبية المتقدمة، وهكذا كانت ألمانيا الإقطاعية تعيش آنذاك على صعيد الحلم.

لقد كانت نظرة فلاسفتها إلى التاريخ مستوحاة، بل موجهة من مشاكلهم في الحاضر، وآمالهم بالمستقبل، لقد نظروا إلى تطور التاريخ بالشكل الذي يمكنهم من تبرير حضارة ألمانية في الماضي، وغياب ألمانيا عن الثورة الصناعية بالحاضر.

لقد جعلوا من الحضارات القديمة طفولة الإنسانية، ومن الحضارة الإغريقية والرومانية شباب الإنسانية، ومن الحضارة الجرمانية كهولة الإنسانية ونضجها، لقد عرّف أحد المفكرين الألمان، التاريخ بأنه (حاصل الممكنات التي تحققت)، وهذا يعني أن هناك ممكنات أخرى بطريق التحقيق، وعلى رأسها ألمانيا المستقبل».

الحضارة الغربية، وإن قيلت هذه الكلمة بالعموم، عن نهوض بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، غير أن لكل دولة طريقة تغذٍ خاصة على المنجز العلمي، لهذا نعثر على تمايزات بين الدول بكل مجال، إذ تتفوق دولة على أخرى بمجال علمي، أو حقل فني، وهذا شائع بسبب تنوع اهتمامات المجتمعات، لكن البذرة والنواة الغربية فيها اشتراك كبير بالخصائص والصيغ والأساليب، التي دفعتها نحو التفوق الحضاري النوعي.

أن التأثر بالحضارة الغربية أمر حيوي، ودليل تفاعل مع الأمم الأخرى، غير أن الأكثر فاعليةً، اكتشاف القيم التي قامت عليها، والفلسفات التي دفعتها، والعلوم الكبرى الرافعة للحضارة الغربية، وبذلك يكون التأثر أكثر فائدة للإنسان ومجتمعه، فالحضارة أعمق من القشرة اللامعة الساحرة بالشريط السينمائي، ومنجزات الموضة، وسحر المدن، تلك أمور يراها الجميع، لكن البحث عن أسرار التقدم، والمقولات التي ساهمت به الشخصيات الأدبية والفكرية والعلمية المؤثرة بصياغة طرق الانعتاق من القرون الوسطى وعصور الظلام، هو ما يغيّر التركيبة الذهنية، ويعزز من الشغف المعرفي، ويفيد المجتمعات العربية والإسلامية المحتاجة فعلاً لاستلهام نماذج النجاح لدى أي أمة، وهي عند الغرب أوضح وأنجح.

نحن غارقون بالتأثير الغربي حتى النخاع، لكن الأهم أن نُغْرق بفهم أسئلته التي أيقظته.

 

من يحكم العالم

من يحكم العالم

أصبح المشهد العالمي قاتماً في ظل الإمبريالية الأمريكية التي زرعت الشقاق والفوضى في بقع عديدة من العالم، وخلفت دولاً مدمرة وشعوباً منهكة بسبب حروبها، هذا لسان حال أكثر المنتقدين لسياساتها الخارجية، البروفيسور نعوم تشومسكي الذي يعاين عن كثب في كتابه هذا تغير القوة الأمريكية، والتهديدات على الديمقراطية في العالم، ومستقبل النظام العالمي، وذلك من خلال تقديم تحليل عن الوضع الدولي الراهن، في ظل صعود أوروبا وآسيا، ويقف عند الكثير من المحطات التاريخية من علاقة الولايات المتحدة بكوبا إلى تطوراتها الأخيرة مع الصين، فضلاً عن مذكرات التعذيب والعقوبات على إيران، ويبين تشومسكي أن الخطاب الأمريكي الداعي إلى العدالة وحقوق الإنسان انحرف عن مساره ليخدم مصالح المؤسسات المالية والشركات الكبرى.

الكتاب صادر عن دار «ميتروبوليتان بوكس» الأمريكية في 307 صفحات من القطع المتوسط، 2016.

يوضح تشومسكي أهم النقاط التي تشكل تحدياً للقوة الأمريكية، ويناقش كذلك تأثير الحرب الأمريكية لمحاربة الإرهاب على العالم الإسلامي، وكيف أن أفغانستان والعراق عانتا من الويلات والجرائم البشعة، ويستعرض ذلك من خلال التطرق إلى مشاريع النخب الأمريكية التي لا تكترث بعواقب الحروب على الشعوب.

يسعى تشومسكي في عمله هذا إلى استكشاف سؤال «من يحكم العالم؟» كيف تقدم هؤلاء في جهودهم؟ وأين وصلت بهم هذه الجهود؟ ويتألف عمله من 23 فصلاً بعد المقدمة وهي: «مسؤولية المثقفين»، «الإرهابيون أرادوا إنهاء العالم»، «مذكرات التعذيب وفقدان الذاكرة التاريخي»، «اليد الخفية للقوة»، «الانحدار الأمريكي: الأسباب والعواقب»، «هل انتهت أمريكا؟»، «الماجنا كارتا (الوثيقة العظمى) مصيرها ومصيرنا»، «الأسبوع الذي وقف فيه العالم صامتاً»، «اتفاقيات أوسلو: سياقاتها ونتائجها»، «عشية الدمار»، «««إسرائيل»» – فلسطين: الخيارات الحقيقية»، «لا شيء للآخرين.. الحرب الطبقية في الولايات المتحدة»، «لمن الأمن؟ كيف تحمي واشنطن نفسها وقطاع الشركات؟»، «غضب»، «كم عدد الدقائق إلى منتصف الليل؟»، «إيقاف النيران التي لم تتوقف انتهاكاتها أبداً»، «هل الولايات المتحدة دولة إرهابية بارزة؟»، «حركة أوباما التاريخية»، «طريقان»، «يوم في حياة قارئ لصحيفة نيويورك تايمز»، «التهديد الإيراني: من الخطر الأكبر للسلام العالمي؟»، «ساعة القيامة»، «أسياد البشرية».
ويشير في مقدمته إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية تقوم الولايات المتحدة بفرض تأثيرها في السياق العالمي، وتلعب دوراً في العديد من الصراعات والدول مثل: ««إسرائيل»»/ فلسطين، إيران، أمريكا اللاتينية، الحرب على الإرهاب، المنظمات الاقتصادية الدولية، حقوق الإنسان ومسائل العدالة، والكثير من القضايا المتعلقة ببقاء الحضارة الإنسانية على صعيد الحرب النووية والدمار البيئي، ويعلق: «قوتها على العموم، بدأت تتلاشى منذ أن وصلت إلى ذروتها التاريخية في عام 1945، ومع الانحدار الحتمي، فإن قوة واشنطن إلى حد ما أصبحت مشتركة مع الحكومة العالمية الفعلية ل «أسياد الكون» في «العصر الإمبريالي الجديد»، في إشارة إلى مجموعة السبع إلى جانب المؤسسات التي يتحكمون بها مثل صندوق النقد الدولي ومنظمات التجارة العالمية.

يؤكد تشومسكي أن «أسياد الكون» اليوم، ليسوا بالتأكيد الشعوب، حتى في الدول الديمقراطية ليسوا هم، فتأثيرهم محدود فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بالسياسة والتخطيط، مشيراً إلى أن النخب الاقتصادية والمجموعات المنظمة وحدها تملك التأثير في القرارات الأمريكية، في حين أن المواطنين الأمريكيين لا يملكون إلا القليل من التأثير، وأحياناً لا يملكون بحسب باحثين بارزين يستشهد بهم تشومسكي.

أسياد البشرية؟!

خلال فصول الكتاب التي ذكرناها في الأعلى يحاول تشومسكي الإجابة عن سؤاله «من يحكم العالم؟» ويقول «عندما نسأل هذا السؤال، نتبنى في العادة الإجماع العام أن الأطراف الفاعلة في الشؤون العالمية هي الدول، وعلى رأسها القوى العظمى، ونفكر في قراراتها والعلاقات فيما بينها. هذا ليس أمراً خاطئاً. ولكن سنقوم بعمل جيد لو أخذنا في الاعتبار أن هذا المستوى من التعبير التجريدي يمكن أيضاً أن يكون مضللاً للغاية».
ويضيف: «الدول، بطبيعة الحال، لديها هياكل داخلية معقدة، والخيارات والقرارات الصادرة عن القيادة السياسية تتأثر بشكل كبير بالكتلة الداخلية المركزة في السلطة، في حين يتم تهميش السكان عموماً. هذا صحيح حتى بالنسبة لأكثر المجتمعات الديمقراطية. ولا يمكننا الحصول على فهم واقعي عمن يحكم العالم، بينما نتجاهل «أسياد البشرية»، كما سماهم الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث في عصره، حيث قصد التجار والصناعيون من إنجلترا، أما في عصرنا، هؤلاء الأسياد هم التكتلات متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية الضخمة، إمبراطوريات التجزئة وما شابه ذلك».
ويشير إلى أنه بمتابعة سميث، أيضاً من الحكمة أن نأتي إلى «القول الدنيء» ل «أسياد البشرية» وهو: «كل شيء لنا، ولا شيء للآخرين» – وهو مبدأ معروف بطريقة أو بأخرى كحرب طبقية مريرة ومستمرة، في كثير من الأحيان من جانب واحد، ويكون على حساب الشعوب والعالم على نحو كبير.

ويؤكد أنه في النظام العالمي المعاصر، المؤسسات التي لأسياد البشرية سلطة هائلة عليها، ليس فقط في الساحة الدولية ولكن أيضاً داخل بلدانها الأصلية، يعتمدون عليها لحماية سلطتهم وتقديم الدعم الاقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الوسائل.

القوة العظمى الثانية

يبين تشومسكي أهمية قوة الاحتجاجات الشعبية وتأثيرها في القرارات السياسية والتي تعتبر مصيرية لشعوب دول أخرى، قائلاً: «ركزت برامج الليبرالية الجديدة من الجيل الماضي على وضع الثروة والسلطة في أيدي قلة قليلة، في حين أنها أضعفت الديمقراطية الحقيقية، لكنها أثارت المعارضة أيضاً، وأبرزها في أمريكا اللاتينية، وأيضاً في مراكز القوى العالمية. وأصبح الاتحاد الأوروبي، أحد أكثر التطورات الواعدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يترنح بسبب التأثير القاسي لسياسات التقشف خلال الركود، الأمر الذي لقي إدانة حتى من قبل الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي. وقد تم تقويض الديمقراطية، حينما انتقل صنع القرار إلى بيروقراطية بروكسل، مع إلقاء البنوك الشمالية بظلالها على إجراءاتها».

ويوضح: «وأصبحت الأحزاب الرئيسية تخسر بسرعة أعضاء لصالح اليسار واليمين. وعزا المدير التنفيذي لمجموعة أبحاث «يوروبانوفا» ومقرها باريس، الاستياء العام إلى «مزاج العجز الغاضب حيث إن القوة الفعلية لصياغة الأحداث تحولت إلى حد كبير من القادة السياسيين الوطنيين (الذين، من حيث المبدأ على الأقل، كانوا يخضعون للسياسة الديمقراطية) إلى السوق، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والشركات»، حيث يأتي الأمر تماماً في صيغة اتفاق مع مذهب الليبرالية الجديدة».

ويضيف: «تجد أن عمليات مماثلة جداً جارية في الولايات المتحدة، لأسباب مشابهة إلى حد ما، وهي مسألة ذات أهمية وتثير القلق ليس فقط بالنسبة للبلاد لكن، بسبب قوة الولايات المتحدة في العالم. وتسلط المعارضة الصاعدة في وجه الهجوم النيوليبرالي الضوء على جانب مهم آخر على القول الدارج: إنه يضع الجمهور جانباً، والذي غالباً ما يفشل في قبول الدور المسند له ك «متفرج» (بدلاً من «مشارك») في النظرية الديمقراطية الليبرالية. وكان مثل هذا العصيان دائماً مصدر قلق للطبقات المسيطرة في تاريخ الولايات المتحدة».

جريمة غزو العراق

يشير تشومسكي إلى أنه كثيراً ما يقال إن «المعارضة الشعبية الهائلة لغزو العراق لم يكن لها تأثير. الأمر يبدو غير صحيح بالنسبة لي». ويعلق: «أحياناً تختار الدول اتباع الرأي العام، منتزعة بذلك الكثير من الغضب في مراكز السلطة. وكان الحال كذلك في عام 2003، عندما دعت إدارة بوش تركيا للانضمام إلى غزوها للعراق. حيث عارض 95 في المئة من الأتراك هذا التحرك».

ويشير إلى أن الجمهور التركي لم يكن وحده في هذه المعارضة، فقد كانت المعارضة العالمية للعدوان الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى كاسحة. ويضيف: «بالكاد ما يصل الدعم لخطط حروب واشنطن إلى 10٪ في أي مكان تقريباً، وفقاً لاستطلاعات الرأي الدولية. كما أثارت المعارضة احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء العالم، وفي الولايات المتحدة أيضاً، ربما كانت المرة الأولى في التاريخ التي لقي فيها العدوان الإمبريالي احتجاجاً بهذه الشدة حتى قبل إطلاقه رسمياً».
ويذكر: على الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز، قال الصحافي باتريك تايلر إنه «ربما لا يزال هناك قوتان عظيمتان في العالم: الولايات المتحدة والرأي العام العالمي». ويشير إلى أن الحركة الشعبية المناهضة للحرب أصبحت قوة لا يمكن تجاهلها، الآن، وحتى في السابق عندما جاء رونالد ريغان إلى السلطة مصمماً على شن هجوم على أمريكا الوسطى، حيث قامت إدارته بمحاكاة الخطوات التي اتخذها جون كيندي قبل 20 عاماً عند شن الحرب ضد فيتنام الجنوبية، لكنها اضطرت إلى التراجع بسبب هذا النوع من الاحتجاج الشعبي القوي الذي لم يكن متواجداً بذاك الزخم في سنوات الستينات.

ويجد أن الغزو على العراق كان مرعباً بشكل لا يمكن تصوره، وتداعياته كانت بشعة تماماً. ومع ذلك، كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير، لولا الاحتجاجات الشعبية التي عارضت هذا الشكل من الغزو.

نقاط مهمة في الصراع

إن مسألة «من يحكم العالم؟» – يقول تشومسكي في الفصل الأخير من هذا العمل – يقود على الفور إلى قلاقل مثل صعود نفوذ الصين على المستوى العالمي، وتحديها للولايات المتحدة و«النظام العالمي»، والحرب الباردة الجديدة التي تنضج بهدوء في أوروبا الشرقية، والحرب العالمية على الإرهاب والهيمنة الأمريكية والانحدار الأمريكي، ومجموعة من الاعتبارات المماثلة«. ويتحدث عن ثلاث نقاط تعتبر بالغة الأهمية في الصراع على النفوذ العالمي، وهي: شرق آسيا بدءاً من الباسيفيك والتي يشبهها ك»بحيرة أمريكية»، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت قضية خلافية حول تحليق القاذفات الأمريكية في مهمة فوق بحر الصين الجنوبي.

كما يتحدث تشومسكي عن التطورات الصينية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم دول آسيا الوسطى وروسيا، ومن المحتمل أن تضم إليها الهند وباكستان وإيران، وهو ما يمكن اعتباره إحياء الصين طريق الحرير القديم، ويمكن لها أن تصل إلى أوروبا، ويتضح ذلك من خلال برامجها التنموية في عدد من الدول.
كما يذكر إقامة الصين في عام 2015، البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والتي شاركت في افتتاحها دول كثيرة، إذ يمكن أن يصبح منافساً لمؤسسات «بريتون وودز» (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، الذي تملك الولايات المتحدة حق النقض فيها. وهناك أيضاً بعض التوقعات بأن منظمة شنغهاي قد تصبح في نهاية المطاف النظير لحلف شمال الأطلسي.
أما النقطة الثانية وهي التحدي القادم من أوروبا الشرقية، حيث توجد أزمة على الحدود الأطلسية الروسية، تعود بجذورها إلى سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي ليست مسألة صغيرة، إذ إن توسع الأطلسي باتجاه جورجيا وأوكرانيا يعتبره الكثير «خطأ سياسياً قبل أن يكون مأساوياً»، وهو أمر أعلن عنه الحلف بصراحة في 2008 بصيغة لا لبس فيها، حيث أشار إلى أن:»حلف شمال الأطلسي يرحب بتطلعات أوكرانيا وجورجيا الأطلسية للحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي». الأمر الذي يعتبر تهديداً لمناطق نفوذ روسيا ومصالحها الأساسية بحسب تشومسكي.
أما النقطة الثالثة فهي «العالم الإسلامي» والتي يقف عندها تشومسكي إذ يجدها من التحديات البارزة، حيث تعد مسرحاً للحرب العالمية على الإرهاب التي أعلن شنها جورج دبليو بوش في ال11 من سبتمبر/أيلول من عام 2001 بعد الهجوم الإرهابي على برجي التجارة في نيويورك، ولا يجده تشومسكي إعلاناً مستقلاً بحد ذاته، بل إعادة إعلان، إذ إن ريغان عندما تولى منصبه، تحدث في خطاب محموم عن الإرهاب وما سماه جورج شولتز وزير خارجيته «عودة إلى البربرية في العصر الحديث»، وما ينتقده تشومسكي هو تحولها بسرعة كبيرة إلى حرب قاتلة ومدمرة عانت منها دول كثيرة، مع تداعيات لها حتى الوقت الحاضر، وتدان عليها الولايات المتحدة.
يتحدث عن الحرب الأمريكية في أفغانستان، التي كلفت الأفغان الكثير من الدماء والمعاناة والدمار، ويتوقف عند الهدف التالي لإدارة بوش وهو العراق، حيث يشير إلى أن الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق جريمة كبرى في القرن ال 21. إذ أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الناس في بلد كان يعاني في السابق دمار المجتمع المدني فيه، بسبب العقوبات الأمريكية والبريطانية التي كانت تعتبر أشبه ما يكون ب «الإبادة الجماعية. فضلاً عن أن الغزو خلف ملايين اللاجئين، وحرض على الصراع الطائفي الذي يعانيه العراق وكذلك المنطقة بأسرها».
ويذكر أن استطلاعات وزارة الدفاع الأمريكية والبريطانية وجدت أن 3٪ فقط من العراقيين اعتبروا الدور الأمني للولايات المتحدة في أحيائهم تتسم بالشرعية، وأقل من 1٪ اعتقدوا أن «التحالف المكون من (الولايات المتحدة وبريطانيا) كان جيداً لأمنهم، في حين أن 80٪ منهم عارضوا وجود قوات التحالف في البلاد، والأغلبية دعمت الهجمات ضد قوات التحالف. ويؤكد أن الولايات المتحدة عانت من هزيمة قاسية في العراق، وتخلت عن الأهداف الرسمية للحرب، وغادرت العراق لتتركه تحت تأثير المنتصر الوحيد، إيران. كما يشير تشومسكي إلى الدور السلبي لكل من (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في ليبيا، التي أصبحت مرتعاً للإرهاب، بعد أن أصبحت في حالة من الخراب والدمار، تعيث فيها الميليشيات المتحاربة فساداً.

نبذة عن المؤلف

نعوم تشومسكي: عالم في اللغويات واللسانيات، وفيلسوف أمريكي، من بين أبرز المنتقدين للسياسة الخارجية الأمريكية في العالم، وأكثر من يستشهد بآرائه في الكتب آخر مئة عام. نشر عشرات الكتب المؤثرة، والمقالات عن السياسة الدولية والتاريخ واللغويات. ومن بين كتبه الأخيرة: «أسياد البشرية»، و«آمال وتوقعات»، «واشنطن وفاشية العالم الثالث» بالتعاون مع إدوارد س. هيرمان.

 

تأليف: نعوم تشومسكي/عرض وترجمة: نضال إبراهيم