د.علي فخرو :الشباب العرب والأمل والفعل

دزعلي فخرو

منذ بضعة أيام كان لي لقاء مع مجموعة من الشباب في أحد أقطار الوطن العربي. كان الهدف بحث تحديات الحاضر العربي والاستجابات الممكنة لمواجهتها.

لم يكن اللقاء سهلاً فقد كانت مجموعة شباب متُقدي الذكاء واسعي الثقافة السياسية، وبالتالي لدى أفرادها القدرة على التساؤل والتحليل والنًقد.

بعد ساعتين من الحوار، وليس المحاضرة، انقلبت مشاعر الإحباط عندي إلى تزاحم الأمل والإشفاق والإعجاب والاعتزاز. تذكرت بوعزيز تونس وملايين البشر. في ساحات مدن العرب بلا خوف ولا رأس منكس، والعيون والوجوه تعكس ملامح فجر جديد يبدُد ظلام قرون من اليأس والخوف وقلة الحيلة.

توصلنا جميعاً إلى الحصيلة التالية: هناك ثلاثة تحديات تفرض وجودها وخطرها على الحاضر، وهناك ثلاث منطلقات يجب أن تحكم كل استجابة لمواجهة تلك التحديات، وهناك منهجية عمل لإحباط التحديات ولإعلاء شأن تلك المنطلقات.

أما تحدًيات الحاضر الذي تعيشه الأمة العربية، والتي يجب أن نتعامل معها كأولويات في فكرنا وعملنا السياسي الحالي اليومي فهي:

أولاَ: تحدًي التواجد المذهل للاستعمارين الصهيوني والغربي في حاضر حياة العرب. أما التحدًي الاستعماري الصهيوني فيتمثًل حالياً في الصعود الغريب لقبوله كظاهرة يمكن التعايش معها من قبل العديد من أنظمة الحكم العربية، بل ومن قبل الكثير من مؤسسات المجتمع المدني العربي. فما عاد التواجد الصهيوني في فلسطين خطراَ وجودياً واستعمارياً استيطانياً اجتثاثياً يخطط للهيمنة الاقتصادية والسياسية والأمنية على كل الأرض العربية.

أخطر ما في الأمر تنامي ثقافة التطبيع المتدرج مع هذا العدو، بدءاً بالتنسيق الأمني وانتهاء بالحديث عن الاتفاق على استراتيجية عربية صهيونية، برعاية أميركية، لمواجهة ما يسمى بالأخطار والأعداء المشتركين.

أما التحدي الاستعماري الغربي الكلاسيكي فهو التوجه القوي عند عدد كبير من الأقطار العربية لعقد اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات مع العديد من الدول الأوروبية ومع الولايات المتحدة. وهي تفاهمات تسمح بالتواجد العسكري للجيوش الأجنبية في كثير من الأقطار العربية وتسمح عند البعض بانقلابنا إلى وكلاء لتنفيذ سياسات غربية مشبوهة، ولإشعال الحرائق فيما بين الحكومات والشعوب ولترسيخ الصًراعات الطائفية المذهبية والعرقية.

لقد ضحُى العرب منذ عشرينات القرن الماضي لإخراج الاستعمار وللحصول على الاستقلال الوطني ليفاجئوا الآن بعودة أشكال لاتعدُ ولا تحصى من التواجد الاستعماري في بلادهم.

ثانياً – تحدًي ظاهرة الجنون الجهادي التكفيري العنفي الذي ادخل العرب والمسلمين في مواجهات لا تنتهي مع بقية العالم من جهة، وقاد إلى دمار العديد من مدن ومجتمعات العرب التاريخية المحورية.

إنه تحدً فاشستي مرعب خطر بالغ التعقيد، يستعمل الدين لخدمة السياسة، ويقرأ رسالة الحق والقسط والميزان الإسلامية بصور متخلُفة متزمتة ستؤدي إلى تهميش أتباع هذا الدين في العالم كلٌه.

ثالثاً – تحدُي المآل الذي وصلت إليه حراكات وثورات الربيع العربي. فالربيع العربي بدأ كحراكات جماهيرية هائلة، رفعت شعارات ديموقراطي وإنسانية ابهرت العالم، ليواجه أشكالاً من الانتكاسات الطبيعية والمصطنعة. لكن بدلاً من تصحيح الأخطاء ومعاودة النضال السلمي لتحقيق شعارات ذلك الربيع هناك محاولة إعلامية كبيرة لاجتثاث منطلقات الربيع الشعورية والفكرية وإحلال مكانها مشاعر اليأس والشك في الشعارات التي طرحت، وقبول خرافة بأن العرب غير قابلين للانتقال إلى الديموقراطية أو لدخول العصر.

إنها ثقافة التراجع وإدارة الظهر للمستقبل والشعور بالنًقص النفسي التاريخي، والعودة إلى فهم القضاء والقدر الذي نشره الحكم الأموي وترسًخ في الثقافة العربية حتى يومنا هذا.

التحدي يتمثًل في بقاء الروح الجماهيرية المتمرًدة على الفساد والظلم، المتطلًعة الى عوالم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وفي عدم قبول منطق الذين يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وفي عدم قبول منطق تدمير الأحلام والآمال باسم التباكي على الأخطاء والهفوات وقلُة الخبرة عند شباب هذه الأمة.

اتفقنا على أن تلك التحديات تحتاج إلى إيمان بمنطلقات تتوجُه إلى دحر جحيم تلك التحديات.

اتفقنا بأن المنطلق الأول هو الإيمان التام بأن دحر تلك الأهوال الجديدة يحتاج إلى نوع من وحدة الأمة. وبالتالي فان شعار الوحدة العربية يجب أن لا يموت، وأننا يجب أن لا نستمع إلى صوت النًاعقين بان شعار الوحدة العربية هو خيال واحلام وهلوسات.

اتفقنا بأن المنطلق الثاني هو عدم التراجع عن شعار الانتقال إلى الديموقراطية وعن الإصرار على البدئ بترسيخ الأسس التي تقوم عليها الديموقراطية، من حرية ومواطنة وعدالة ومساواة وغيرها، في حياة العرب.

اتفقنا بأن التحديات الثلاث هي فكرية في جوهرها، ولذا فهناك حاجة لتيار كبير يراجع الثقافة العربية ويحلًلها وينقدها، إذ أن هناك نقاط ضعف كثيرة في تلك الثقافة، سواء الجوانب التراثية أم جوانب فكر العصر الذي نعيش.

اتفقنا أخيراً على أنه بدون تنظيمات ومؤسسات مدنية سياسية واقتصادية وثقافية ومهنية تناضل من أجل تحقيق ما اتفقنا عليه في الواقع، فان مآسي العرب لن تنتهي. وعليه فمهمة الشباب لا تقتصر على الاقتناع والأقوال وإنما ايضاً يجب أن تنتقل إلى الأفعال.

في نهاية الجلسة قلت لنفسي: اية أم عربية عظيمة تلك التي لا تملٌ ولاتتعب من إنجاب جيل عربي بعد جيل، هو ايضاً لا يكل ولايتعب من حمل رسالة التغيير والصعود.

كاتب ومفكر بحريني

نهاية أوروبا.. وعصر الظلام القادم

نهاية أوروبا.. وعصر الظلام القادم

 

مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باتت صورته الصامدة خلال عقود مهتزة، حيث تخرج تحليلات هنا وهناك تفيد باحتمال خروج دول أخرى منه، ما يضع المستقبل الأوروبي على المحك. ويجد مؤلف هذا العمل أن غياب أوروبا عن الساحة العالمية سيكون «مأساة» ليس للدول الأوروبية وحدها، وإنما للولايات المتحدة الأمريكية وللعالم. لأن وجود أوروبا أضعف وأقلّ تأثيراً يعني تفكك كيان سياسيّ واجتماعي واقتصادي يحافظ على توازن عالمي، مما سيؤدي إلى اختلالات ليس من السهل تصور عواقبها.
يأتي كتاب «نهاية أوروبا: ديكتاتوريون، ديماغوجيون وعصر الظلام القادم» (288 صفحة، منشورات جامعة يال، 2017) للكاتب الصحفي والباحث الأمريكي جيمس كريتشك في مرحلة شديدة الحساسية فيما يتعلق بالراهن الأوروبي والعلاقات المتشابكة فيما بين الدول الأوروبية ثم علاقة القارة مع العالم. وإذ يحمل عنوان الكتاب رسالة متشائمة حول واقع أوروبا ومستقبلها في ظلّ حالة تبادلية من السياسات التي ترسم علاقاتها والعلاقات التي تضع سياستها في القضايا كافة، فإن الكاتب لا يغفل فرصة التصريح بأن ثمة أملاً في أن تستطيع أوروبا إنقاذ الكيان الذي حافظت عليه لعقود، وحفظ لها بالتالي تماسكها الذي بات اليوم مهدداً أكثر من أي وقت مضى.

أوروبا وغياب الدور الأمريكي

في كتابه، يسجّل جيمس كريتشك، بمزيج من العمل الصحفي والسرد التاريخي، أن أوروبا التي كانت تعدّ معقل القيم الليبرالية والديمقراطية، هي ذاتها التي باتت اليوم تعاني المشاكل التي كانت تعتقد أنها تجاوزتها منذ عقود. إذ إن ظواهر من نوع معاداة السامية، القومية الشعبوية واستخدام العنف والقوة العسكرية في مناطق النزاع باتت تهدد اليوم بتفكيك الكتلة الأوروبية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. يحدد كريتشك في دراسته نقاطاً أساسية توضح مواضع الضعف في الاتحاد الأوروبي؛ السياسة الضحلة والمخادعة للقادة الذين دفعوا باتجاه خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته موجة الهجرة الكبيرة والعلاقة المتوترة بين المجتمعات الأوروبية والأقليات المسلمة.
وهذا كله يأتي مع تهديد الإدارة الأمريكية الجديدة بتجاهل الدور التقليدي الذي كانت تضطلع به الولايات المتحدة في أوروبا، كمناصر لنظام العالم الليبرالي وضامن لأمن القارة. وبهذا، يزداد التهديد الجدي بأن تصبح أوروبا وحيدة في مواجهة هذه التحديات «غير المسبوقة»، بحسب تعبير كريتشك.
يتألف الكتاب من مقدمة بعنوان «الكابوس الأوروبي»، يليه ثمانية فصول، يشكّل كل واحد منها دراسة حالة لبلد أوروبي محدد. الفصل الأول: «روسيا: على حافة أوروبا». الفصل الثاني: «هنغاريا: ديمقراطية من دون ديمقراطيين». الفصل الثالث: «ألمانيا: عودة رابالو؟» (بالإشارة إلى معاهدة رابالو عام 1922 والتي اتفقت على أساسها كل من ألمانيا وروسيا على تقاسم مناطق النفوذ والمكاسب بعد معاهدة برست ليتوفسك (1918) التي خرجت روسيا إثرها من الحرب العالمية الأولى. ) ثم الفصل الرابع «الاتحاد الأوروبي: أزمة غير متوقعة». يليه الفصل الخامس: «فرنسا بلا يهود»، والسادس «بريكست: من بريطانيا العظمى إلى إنجلترا الصغيرة». ثم الفصل السابع «اليونان: من الأحزاب السياسية إلى الشعبويين»، والفصل الثامن «أوكرانيا: برلين الغربية الجديدة». ثم تأتي خاتمة بعنوان: «الحلم الأوروبي». وهو يشير في أكثر من مكان لكتاب مهم هو «الحلم الأوروبي» للباحث الأمريكي جيريمي ريفكن (تُرجم إلى العربية عام 2016 وصدر عن دار الفارابي)، وهو دراسة شاملة للتحوّل الذي عاشه المجتمع الأمريكي إبان انهيار مفهوم الحلم الأمريكي والتوجه نحو حلم آخر بديل متمثّل بالحلم الأوروبي، على اعتبار أن أوروبا باتت تشكل كياناً مقابلاً ومنافساً للولايات المتحدة في التأثير العالمي. وحيث إن «الحلم الأوروبي أكثر راحة وأكثر أماناً، ورخاء، ويؤدي إلي إطالة أمد الحياة البشرية». ويشير كريتشك إلى التنظيم الجغرافي والفكري لفصول الكتاب، بغية تقديم سياق متسلسل للأزمات التي باتت تعصف بأوروبا.

روسيا وانتهاك القانون الدولي

في الفصل الأول من الكتاب، «روسيا: على حافة أوروبا»، يبدأ جيمس كريتشك بتقديم رؤية يحاول أن تكون قريبة ودقيقة للأزمة متعددة الأوجه التي تواجهها أوروبا، من روسيا شرقاً وصولاً لأزمة المهاجرين في الجنوب. وهي من ضمن أزمات ما فتئت تتفاقم لا سيما مع عدم قيام الولايات المتحدة، متمثلةً بإدارة الرئيس ترامب، بتحقيق دورها التقليدي والاكتفاء بالتعبير دائماً عن نظرة قلقة ومقلقة بشأن العلاقة مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي وروسيا. وبالتالي، يحاول الكاتب عبر خبرته التي اكتسبها من سنوات التنقل في الدول الأوروبية والاطلاع على أزماتها عن قرب تقديم رؤية متكاملة قدر الإمكان للتحديات الحاضرة. وهو يبدأ بروسيا التي خصّها بالفصل الأول، انطلاقاً مما يراه رغبة روسية في «تدمير» الاتحاد الأوروبي. وهو في هذا لا يتردد في استخدام لغة قاسية لوصف الإجراءات الروسية تجاه أوكرانيا أولاً وضمّ شبه جزيرة القرم تالياً. فهو يصف التصرف الروسي ب «الانتهاك الواضح للقانون الدولي، وخرق القواعد السياسية الدولية».
ويشير إلى أن هذه الحالة من ضمّ مناطق جغرافية بقوة السلاح تعدّ الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يدفع المراقبين للتساؤل حول جدوى الوثائق الدولية والمعاهدات إن لم تتخذ الإجراءات الرادعة المطلوبة. على اعتبار أن روسيا تقدم رسالة مضمونها أنها غير معنية بالالتزام بالبند الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو ببيان بودابست (1994). وهو ما ينذر بخطر تكرار هذه الخروقات لاحقاً من دول كبيرة تجاه دول أصغر وأقلّ إمكانية وقدرة. وفي هذه المسألة، يمكن ربط هذا الفصل بالفصل الثامن الذي يسمّي فيه الكاتب أوكرانيا «برلين الغربية الجديدة». ويوجه اللوم للدول الأوروبية التي فضّلت علاقاتها مع روسيا على محاسبة هذه الأخيرة على انتهاكاتها للقانون الدولي. وهذا عائد، جزئياً، إلى عدم إدراك تلك الدول لحقيقة ما تقوم به روسيا فعلياً، وأهدافها غير المعلنة، وهو ما سيحمّل إدارة الرئيس ترامب في الجانب الآخر من المحيط مسؤولية إعادة ضبط العلاقات مع روسيا. ويقول إنه «إذا لم تستمر قيم أمريكا وأوروبا بتشكيل المستقبل كما فعلتا في الماضي، فإن هذا سيتيح المجال لقوى متسلطة لفعل ذلك.

ألمانيا: تحديات السياسة والصدمة الثقافية

في تناوله لحالة ألمانيا، يحذّر كريتشك مما يسميه «تقاطع مخاطر البوتينية والإسلاموفوبيا» الذي سيكون عائقاً أمام إعادة انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تواجه منافسة شرسة من مارتن شولتز، رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني ورئيس البرلمان الأوروبي «العاجز»، وفق توصيف الكاتب، منذ عام 2012. ومع موقف ميركل من التعددية الثقافية، إلا أن قبولها بوجود مليون لاجئ مسلم في ألمانيا سيكون عاملاً رئيسياً في إضعاف وضعها السياسي عموماً وفرصها في الفوز بالانتخابات خاصة.
تقوم السياسة الألمانية على تقبّل حذر للتعددية الثقافية، مع خلق توازن في العلاقة مع روسيا من جهة، والولايات المتحدة في الجهة الأخرى. ومع هذا، فإن العلاقة الألمانية-الأمريكية تبدو مملوءة بالتناقضات، وهو ما لا يمكن أن تخفيه صورة الدولة الصديقة والحليفة التي تبدو بها حالياً تجاه أمريكا. كما أن ألمانيا مسؤولة عن سياسة استقبال هذا المدّ الكبير من المهاجرين الشرق أوسطيين، على الرغم من المخاوف التي عبرت عنها دول أوروبية أخرى مراراً حول عدم القدرة على استيعاب هذا التدفق الكبير من المهاجرين واحتوائهم ودمجهم.
وصل هذا التدفق غير المسبوق إلى ذروته في فترة الهجرة الكبرى بين 2015-2016، وأدى إلى حصول توتر كبير بين الأوروبيين والأقليات المسلمة. وكان من مسببات هذا التوتر وصوره، على وجه الخصوص، التباين الجذري للمهاجرين من الدول التي تحمل نظرة خاصة ومواقف محددة تجاه المرأة، بما يختلف كلياً مع ما هو متبع في الغرب. وتعدّ هذه من النقاط الإشكالية للغاية، وتسببت بمشاكل كبيرة. وبحسب الأرقام، فإنه من بين 1.5 مليون طالب لجوء ممن وصلوا إلى أوروبا عام 2015، كانت نسبة الذكور 73 في المئة.
في البداية، كان هناك توجّه لعدم الإبلاغ عن بعض حالات التحرش الجنسي بدافع خلق حسّ عام لنفي صفة الإسلاموفوبيا عن المجتمع. لكن نقطة التحول كانت في ليلة رأس السنة الميلادية عام 2015، يوم حصلت حادثة التحرش بنساء ألمانيات خارج محطة القطار الرئيسية في كولونيا. يومذاك، قدّمت أكثر من 650 امرأة شكاوى جنائية تتراوح بين تعرضهن للتحرش وصولاً إلى محاولات الاغتصاب.
ونتيجة لهذه الصدامات الثقافية والزيادة في عدد الضربات الإرهابية في أنحاء القارة، أعيدت مرة أخرى إجراءات التحقق من الهوية في المعابر الحدودية التي كانت مفتوحة في السابق، وأخذت دول مثل ألمانيا والسويد، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية بتخفيض أعداد المهاجرين المقبولين.

مستقبل الحلم الأوروبي

يعود الكاتب إلى فكرة الحلم الأوروبي، وهو وإن حمل عنوان كتابه رؤية متشائمة عبر تعبير «عصر الظلام»، فإنه يصرّ على أن ثمة ما يمكن عمله؛ وهو تذكر التاريخ والقيم والاستعادة الواعية للمفاهيم التي وحدت أوروبا وخلقت ذلك الكيان الذي حافظ على استقرار القارة لعقود. وهو يركز على قيم الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق الحرة. ويصرح أن على الديمقراطيات الأوروبية (والأمريكية) تخصيص المزيد من الموازنات ورفع الإنفاق على الجانب العسكري بغية الدفاع عن هذه القيم التي تسعى دول أخرى لتحطيمها. إذ إن غياب أوروبا عن الساحة العالمية سيكون «مأساة» ليس للدول الأوروبية وحدها، وإنما للولايات المتحدة الأمريكية وللعالم. لأن وجود أوروبا أضعف وأقلّ تأثيراً يعني تفكك كيان سياسيّ واجتماعي واقتصادي يحافظ على توازن عالمي، ما سيؤدي إلى اختلالات ليس من السهل تصور عواقبها.
في خاتمة الكتاب يقول: «يجب أن ينتهي وقت التخبط. فمن أجل أن نضمن أن العقود السبعة الماضية مما يشبه اليوتوبيا كانت هي القاعدة، لا مجرد استثناء تاريخي، فإن أوروبا بحاجة ماسة لتجديد مراكز قوتها الليبرالية من جهة، والاستعداد لاستخدام القوة للدفاع عن نفسها من جهة أخرى». ويتطرق إلى استقبال أوروبا للمهاجرين واللاجئين المسلمين، ويطالب بأن تكون إجراءات دمجهم في المجتمعات الأوروبية مشروطة بإنتاجيتهم، مع التزام هذه الدول بمبادئ الرفاه الاجتماعي وقطاع الأعمال الخاصة. ويقول إنه هناك الكثير مما هو على المحك، كالسفر من فرنسا إلى ألمانيا من دون جواز سفر، أو وجود تلك الإجراءات البيروقراطية المكثفة في بروكسل. ويكرر مطالبته بأوروبا تحمل قيم وأفكار عصر التنوير، تعزز دورها العالمي في إنتاج المنجزات الحضارية والقدرة على حمايتها، وإلا فإن الديماغوجيات والديكتاتوريات ستحوّل هذه الحضارة إلى فوضى، وسيتم تغليب المصلحة الفردية على مصلحة الدولة والخير العام، وستنتفي مميزات الهوية الأوروبية وسيختفي دورها. وأقل ما يقال عن هذه الحالة أنها انهيار، وبالتالي، فإن المستقبل -إذا تحققت هذه المخاوف لأي سبب من الأسباب- لن يكون سوى عصر ظلام جديد.

نبذه عن المؤلف

ولد الكاتب الصحفي والباحث الأمريكي جيمس كريتشك عام 1983. يعمل مراسلاً لموقع «ذا دايلي بيست» الإلكتروني، وهو زميل باحث في مبادرة السياسة الخارجية في واشنطن. له مقالات صحفية في العديد من وسائل الإعلام مثل «واشنطن بوست» و«ذا ويكلي ستاندرد»، «وول ستريت جورنال» و«فورين بوليسي». يعيش في العاصمة الأمريكية واشنطن. نال كتابه «نهاية أوروبا» ترحيباً ملحوظاً في وسائل إعلام أوروبية، وهو نتاج ست سنوات من البحث والمتابعة والتنقل بين العديد من الدول الأوروبية لجمع مادة الكتاب. ظهر في العديد من منصات التواصل والمحطات التلفزيونية لمناقشة أفكار الكتاب ورؤيته لمستقبل الاتحاد الأوروبي.

 

ترجمة: نضال إبراهيم