أمام شباب وشابات العرب الكثير ليتعلموه

يخطئ من يعتقد بأن مجتمعات الوطن العربي ستقبل صاغرة أو متعبة بالأوضاع الحالية المزرية التي وصلت اليها، بعد أحداث وفواجع الحراكات الجماهيرية العربية الكبيرة التي اجتاحت الأرض العربية عبر الثماني سنوات الماضية. هذا قول يتناقض مع تاريخ المسيرة الانسانية ومع المنطق ومع رياح التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية والتواصلية الكبرى التي تهب على العالم كله.
وبالطبع فإن فترات علق الجراح وتضميدها تتصف عادة بالهدوء الخادع، لكن ما يحمله المستقبل لا يمكن الا أن يحمل في أحشائه ما يصحح الحاضر. ولذلك فان مظاهرات الجياع والعاطلين عن العمل والمهمشين التي جابت شوارع العديد من عواصم العرب وأريافها ما هي الا النسائم التي تشير الى عواصف الأفق البعيد.
ولأن شباب وشابات الأمة العربية هم الذين سيصنعون ذلك المستقبل فان الحاجة ماسة لأن يذكروا بأهمية دراسة ووعي مسيرات بعض الأنساق السياسية والفكرية التي صنعت عالم اليوم. في مقدمة هذه الأنساق النسق الذي صنعته الايديولوجية الليبرالية عبر مسيرتها خلال القرنين الماضيين. لقد ولدت تلك الايديولوجية من رحم الحداثة، التي بدورها ولدت من رحم الثورتين الفرنسية والأميركية اللتين رفعتا شعارات تغييرات راديكالية اجتماعية وسياسية. لكن الليبراليين أصابهم الذعر من امكانية حدوث فوضى وصراعات دموية. ولذلك قرروا أن تكون ايديولوجيتهم وسطية، بين الراديكالية اليسارية واليمينية المحافظة. في قلب تلك الوسطية كان شعار الاصلاح التدريجي وعدم اختصار الوقت. وقدم الليبراليون صفقة متوازنة تقوم على تقليص امتيازات الطبقة المحافظة القديمة، ولكن دون اجتثاثها، وعلى تحسين أوضاع الطبقات العاملة والفقيرة من خلال السماح بتواجد تنظيماتها المدافعة عن حقوقها من جهة، ومن خلال القبول بدولة الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم والصحة والاسكان والبطالة. ومن جهة ثانية.
وبالرغم من قيام الثورات الاشتراكية هنا أو هناك، وبالرغم من محاولة الانتقال الى النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، الا أن النسق الليبرالي في الحكم والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية ظل هو السائد والثابت عبر قرنين كاملين. من هنا ساد المجتمعات الغربية الهدوء والسلم الأهلي بصورة عامة. لكن الليبرالية انقلبت على نفسها عندما انتقلت من أصولها الكلاسيكية الى صورتها الجديدة: الليبرالية الجديدة العولمية البالغة التوحش والاستقطاب، بل وحتى المعادية لبعض جوانب الديموقراطية. لقد تم كل ذلك خلال الثلاثين سنة الماضية، بعد أن ادعى الليبراليون من أمثال السيدة المتوفاة، مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، وأمثال المتوفى رونالد ريجان، الرئيس الأميركي السابق، بأن العمال والفقراء قد بالغوا في مطالبهم وأنهم بنقاباتهم القوية المنظمة يعرقلون الاقتصاد الرأسمالي الانتاجي.
اليوم يجري الحديث عن نهاية الليبرالية، بعد أن فشلت في تحقيق وعودها من خلال الاصلاحات البطيئة وقيام دولة الرفاهية الاجتماعية. فالاصلاحات تتراجع ودولة الرعاية الاجتماعية يجرى بناء حيادها الكاذب من خلال تخليها عن مسؤولياتها الاجتماعية ومن خلال هيمنة متطلبات حرية الأسواق التجارية على كل تصرفاتها.
أي أن الليبرالية أصبحت، بقصد أو بدون قصد، تعادي الديموقراطية الشاملة العادلة، التي تشمل السياسة والاقتصاد، والتي تصر على التوزيع العادل للثروة ولا تكتفي بوجود انتخابات وبرلمانات فقط.
ما الهدف من سرد تفاصيل تلك المسيرة على شباب وشابات الأمة العربية؟ الهدف هو تحذيرهم من الأهداف الخفية وراء الناقدين والشامتين لما جرى في الأرض العربية وذلك بقصد اقناع الناس بالتخلي عن شعارات الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، التي نادت بها حناجر الملايين من شعوب الأمة العربية، واستبدالها بشعارات غامضة تبطئ، بل وتعيق، انتقال المجتمعات العربية من أوضاعها المتخلفة الدموية الحالية، ومن علاقاتها الاجتماعية التسلطية الاستغلالية السابقة، الى أنظمة ديموقراطية تقوم على أسس الحرية والكرامة والمساواة والعدالة والمواطنة الحقة.
سيكثر الحديث عن العقلانية والسلم الأهلي ومخاطر الفوضى وجهالة الغوغاء، وتدمير فرص الاستثمارات الخارجية وحركة السياحة… الخ. ولكن سيجري القفز فوق قيم العدالة في توزيع الثروة والسلطة والجاه، وفجيعة الاستباحة الاستعمارية والصهيونية لكل الأرض العربية، وتصدع التضامن العربي، وتجديد الثقافة العربية والفقه الاسلامي، وغيرها الكثير الكثير.
للشباب العربي عبرة في مسيرة الأخطاء والخطايا للبرالية الكلاسيكية الغربية، التي لا تزال تنقل تلك المجتمعات من أزمة الى أزمة، ومعها مجتمعات العالم كله.
واذا كنا قد فصلنا مسيرة الأيديولوجية الليبرالية فلأنها النسق المطلوب في عصرنا. لكن هناك دروساً وعبراً في مسيرة الايديولوجيات الكبرى الأخرى. وهي الأخرى، تحتاج الى أن يؤخذ ويترك منها. مسيرة هذا العالم التاريخية مليئة بالوعود والأحلام الكاذبة. والذين يريدون أن يتصدوا للمستقبل من شباب وشابات هذه الأمة عليهم دراسة ذلك التاريخ، اذ حتى الآن ظلت تلك الأحلام والوعود وراء ألف قناع وقناع، والنتيجة هي عالمنا المريض التائه المأزوم الذي نراه أمامنا.

 

التفاؤل وسط كوارث الرأسمالية

ظلّ المفكر نعوم تشومسكي «الضمير الأخلاقي لأمريكا» لأكثر من نصف قرن من الزمن (ولو أنه بقي مجهولاً لغالبية الأمريكيين)، بالإضافة إلى أنه مفكر معروف على المستوى العالمي، إذ إنه يتحدث باستمرار عن موقفه الرافض للسياسات العدائية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الدول الأخرى، وانتهاكها حقوق الإنسان، ويدافع عن الضعفاء والمضطهدين في مختلف أنحاء العالم منذ زمن الحرب الفيتنامية إلى الوقت الراهن. في الكتاب الذي بين يدينا نتعرف إلى آرائه عبر حوارات على مدى أربع سنوات أجراها معه الكاتب سي جي. بوليكرونيو.
يضم هذا الكتاب نظرة عامة شاملة على مشاكل عالمنا اليوم، وكيف ينبغي أن نستعد للغد، وذلك من خلال حوارات مع المفكر العالمي البارز نعوم تشومسكي، الذي يرى أننا اليوم أمام خيارين وهما: يمكننا أن نكون متشائمين أمام ما يحدث من كوارث للرأسمالية في العالم، وأن نستسلم، ونساعد على ضمان أن الأسوأ سيحدث، أو يمكننا أن نكون متفائلين، وننتهز الفرص التي تأتي، وهي موجودة بالتأكيد، وربما نساهم في جعل العالم مكاناً أفضل.

من خلال هذه الحوارات التي أجريت من أواخر 2013 إلى أوائل 2017، وقد نشرت في موقع (http://www.truth-out.org) يجيب المفكر السياسي تشومسكي عن أسئلة تتعلق باستكشاف النيوليبرالية المتصاعدة، وأزمة اللاجئين في أوروبا، وحركة «حياة السود تهم»، والنظام الانتخابي الأمريكي المختل، والآفاق والتحديات أمام بناء حركة تهدف إلى تحقيق تغيير جذري. كما يضم الكتاب مقابلات عن حملة الانتخابات الأمريكية 2016 والمقاومة العالمية لترامب.
ويقول سي جي. بوليكرونيو في مقدمته عن تشومسكي: «يبقى صوت تشومسكي بمفرده في الغالب مشعل الأمل والتفاؤل في هذه الأوقات السوداء، حيث تسود فيها اللامساواة الاقتصادية بشكل لا نظير له، وتزايد السلطوية، والداروينية الاجتماعية، مع حركة يسار أدارت ظهرها للصراع الطبقي».
ويضيف: «في الآونة الأخيرة، كانت هناك إشارات قوية وواضحة عبر الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي كله في المجتمعات الغربية، حيث إن تناقضات العولمة الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية المرتبطة معهم تهدد بكشف القوى المتنفذة مع القدرة على إنتاج ليس فقط نتائج مدمرة بشكل كبير لأجل تحقيق النمو، والازدهار، والعدالة، والسلام الاجتماعي، بل أيضاً نتائج مصاحبة لأجل تحقيق الديمقراطية، والحفاظ على البيئة، والحضارة الإنسانية بشكل عام».
ويشير إلى أن تشومسكي لا يزال، رغم ذلك، يجد أن الشعور باليأس أمام ما يحصل ليس خياراً. لا يهم مدى البشاعة التي يظهر بها وضع العالم الراهن، فالمقاومة للاضطهاد والاستغلال لم تكن في يوم من الأيام مشروعاً غير مثمر، حتى في أوقات أحلك من أوقاتنا. في الحقيقة، «الثورة المضادة» لترامب في الولايات المتحدة أخرجت إلى النور قوة ردع للقوى الاجتماعية التي تقف في وجه طموحات الأوتوقراطيين. يبدو أن مستقبل المقاومة في الدولة الأكثر نفوذاً في العالم يظهر أنه واعد أكثر من أجزاء أخرى عديدة في العالم الصناعي المتقدم.
في هذا السياق، يعتبر الكاتب سي جي. بوليكرونيو أن المأمول من حواراته هنا مع تشومسكي أن تساعد في تقديم آرائه وأفكاره لجيل جديد من القراء، خاصة أنها تبقي الإيمان بالقدرة الإنسانية على تقديم مقاومة عنيدة في وجه قوى الظلام السياسي، وفي النهاية يمكن لها تغيير سياق التاريخ نحو الأفضل.

عالم يشهد التحول

تواجه الولايات المتحدة أوقاتاً عصيبة، وفي الوقت الذي لا تزال فيه القوة العظمى العالمية الوحيدة، إلا أنها لم تعد قادرة على التأثير على الأحداث وتحقيق النتائج التي تروق لها، وإن كان الأمر بشكل جزئي. يبدو أن الإحباط والقلق بشأن مخاطر الكوارث المنتظرة فاقا آمال الناخبين الأمريكيين خلال انتخابات 2016 في إقامة نظام عالمي أكثر عقلانية وعدلاً. يشير نعوم تشومسكي إلى أن صعود شعبية دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وتسلمه الرئاسة حدث بسبب حقيقة أن المجتمع الأمريكي يتعرض للانهيار.
اخترنا بعض الأسئلة من هذه المقابلة الأولى، التي يعالج فيها نعوم تشومسكي التطورات المعاصرة في كل من الولايات المتحدة وحول العالم، ويواجه التحديات السائدة والآراء حول الحرب الطبقية، النيوليبرالية كنتيجة للقوانين الاقتصادية، ودور الولايات المتحدة كقوة عالمية، ووضع الاقتصادات الناشئة، وقوة اللوبي «الإسرائيلي».
السؤال الأول هو: «نعوم، لقد قلت إن صعود دونالد ترامب يرجع إلى حد كبير إلى انهيار المجتمع الأمريكي. ماذا تقصد بهذا بالضبط؟»
يجيبه تشومسكي: «كانت للبرامج الحكومية المشتركة مع الشركات التجارية في السنوات ال 35 الماضية أو نحو ذلك آثار مدمرة على أغلبية السكان، حيث أصبح الركود والانحدار الاقتصادي واللامساواة الكبيرة بين السكان من أكثر النتائج المباشرة. وقد خلق الخوف لدى السكان، وتركهم يشعرون بالعزلة، والعجز، وأنهم ضحايا القوى المتنفذة التي لا يمكن فهمها أو التأثير عليها. والانهيار هنا لا ينجم عن القوانين الاقتصادية، بل إنه متعلق بسياسات، هي نوع من الحرب الطبقية التي بدأها الأغنياء والأقوياء ضد العمال والفقراء. هذا ما يمكن أن نعرّف به الفترة النيوليبرالية، ليس فقط في الولايات المتحدة وحدها، بل في أوروبا وغيرها أيضاً. وترامب يناشد أولئك الذين يشعرون ويختبرون انهيار المجتمع الأمريكي، ممن تتملكهم مشاعر عميقة من الغضب والخوف والإحباط واليأس، وربما بين قطاعات السكان نشهد زيادة في معدل الوفيات، وهو شيء لم يسمع عنه بعيداً عن الحرب».

الحرب على الإرهاب

في سؤال ثان يسأله الكاتب: «على جبهة السياسة الخارجية، يبدو أن «الحرب على الإرهاب» مشروع لا ينتهي أبداً، كما هو الحال مع الوحش عدار، (حية عظيمة قتلها هرقل في الأساطير اليونانية. يقال إنها كانت ذات تسعة رؤوس؛ كلما قطع رأس منها، نبت رأس آخر، بحسب ويكبيديا). هل يمكن للتدخلات الضخمة للقوة أن تقضي على المنظمات الإرهابية مثل «داعش»؟»
تشومسكي يجيبه قائلاً: «لدى تولي أوباما منصبه، قام بزيادة حجم قوات التدخل وعزز الحروب في أفغانستان وباكستان، تماماً كما وعد بذلك. كانت هناك خيارات سلمية، وبعضهم من التيار السائد في الشؤون الخارجية على سبيل المثال وصى بها. ولكنها لم تكن قيد النظر. وكانت الرسالة الأولى لحامد قرضاي الرئيس الأفغاني إلى أوباما، والتي لم يرد عليها، هي طلب وقف قصف المدنيين. كما أبلغ قرضاي وفداً من الأمم المتحدة بأنه يريد جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأجنبية. وعلى الفور، فقد سقط من حسابات واشنطن، ووفقاً لهذه التحولات أصبح من رئيس مفضل لدى الولايات المتحدة عبر وسائل الإعلام إلى رئيس «لا يمكن الاعتماد عليه» و«فاسد»، وما إلى ذلك، وهو ما لم يكن صحيحاً أكثر مما كان عليه عندما كان يتم الاحتفاء به والقول بأنه «رجلنا» في كابول.
أرسل أوباما المزيد من القوات وعزز القصف على جانبي الحدود الأفغانية – الباكستانية أو ما يعرف ب«خط دوراند»، (هو خط حدودي يبلغ طوله 2640 كيلومتراً، يمتد بين أفغانستان وباكستان)، وهو عبارة عن حدود مصطنعة أنشأها البريطانيون، والتي قسّمت مناطق البشتون إلى منطقتين، ولم يقبلها الشعب أبداً. وكثيراً ما مارست أفغانستان ضغوطاً في الماضي لأجل طمسه.
هذا هو العنصر المحوري في «الحرب على الإرهاب». كان من المؤكد أنها تحفز الإرهاب، تماماً كما فعلت في غزو العراق، وكيفية اللجوء إلى استخدام القوة بشكل عام. فرض القوة يمكن أن ينجح. وجود الولايات المتحدة هو مثال على ذلك. الروس في الشيشان مثال آخر. ولكن يجب أن تكون ساحقة، وربما هناك الكثير من المخالب للقضاء على الوحش الإرهابي الذي أنشئ إلى حد كبير من قبل ريجان وشركائه. «داعش» هو آخر تنظيم، وأكثر تنظيماً في استخدام الوحشية من تنظيم القاعدة. وهذا التنظيم مختلف أيضاً من ناحية أن لديه مطالبات في الأراضي. ويمكن القضاء عليه من خلال توظيف هائل للقوات على الأرض، ولكن ذلك لن ينهي ظهور منظمات متشابهة معها في التفكير. فالعنف يولد العنف.

تأثير اللوبي «الإسرائيلي»

وفي سؤال ثالث: «في العديد من الدوائر، هناك انطباع واسع الانتشار بأن اللوبي «الإسرائيلي» يدعو إلى إطلاق النار في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. هل قوة اللوبي «الإسرائيلي» قوية بحيث يمكن أن يكون لها تأثير على قوة عظمى؟»
تشومسكي يرد بالقول: يصف صديقي جيلبرت الأشقر، المتخصص في الشرق الأوسط والشؤون الدولية عموماً، هذه الفكرة بأنها «وهمية». بحق. ليس اللوبي هو الذي يهدّد صناعة التكنولوجيا العالية في الولايات المتحدة لأجل توسيع استثماراتها في «إسرائيل»، أو أنه يلوي ذراع الحكومة الأمريكية حتى يتم وضع الإمدادات هناك مسبقاً للعمليات العسكرية الأمريكية في وقت لاحق، وتكثف العلاقات العسكرية والاستخباراتية الوثيقة.
عندما تتفق أهداف اللوبي مع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية المعروفة، فإنها عادة ما تصل إلى: سحق الفلسطينيين، على سبيل المثال، وهو أمر لا يثير إلا قلقاً ضئيلاً لقوة الولايات المتحدة الأمريكية. عندما تتباعد الأهداف، كما يحدث غالباً، يختفي اللوبي بسرعة، ويعرف أكثر من مواجهة السلطة الحقيقية.

التهديد الصيني

وفي سياق آخر يسأله الكاتب: «هل ترى الصين في وضعية يمكن أن تشكل تهديداً للمصالح العالمية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى؟»
يردّ تشومسكي: «من بين القوى العظمى، كانت الصين الأكثر تحفظاً في استخدام القوة، وحتى من ناحية الاستعدادات العسكرية. لدرجة أن المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين البارزين جون ستينبرونر ونانسي جالاجر كتبا مقالاً في مجلة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم التي تحظى باحترام كبير، دعوا فيه الصين قبل بضع سنوات إلى قيادة تحالف من الدول المحبة للسلام لمواجهة العسكرة العدوانية للولايات المتحدة التي يعتقدون أنها تؤدي إلى «الموت النهائي». ولا توجد دلائل تذكر على أي تغيير مهم يحدث في هذا الصدد. ولكن الصين لا تتبع الأوامر، وتتخذ خطوات للوصول إلى الطاقة والموارد الأخرى في جميع أنحاء العالم. وهذا يشكل تهديداً».
يأتي الكتاب كله في هذا السياق الحواري، الذي يتميز بغنى في المعلومات والإجابات عن أسئلة ربما تخطر على بال الكثير من القراء.
يلخص تشومسكي في إجاباته استنتاجاته العامة تجاه سياسة الولايات المتحدة وأفعالها العسكرية في العالم، وتكون تحليلاته دائماً مستندة على حقائق لا تقبل النقاش، وتكون موجهة بعمق أيضاً وفق اعتبارات أخلاقية حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والاحترام الإنساني العام.

بنية الكتاب

الكتاب يقع في 224 صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر عن دار «بينكوين» البريطانية باللغة الإنجليزية في 2017. ويحتوي على ثلاثة أجزاء بعد المقدمة، يضم الأول تسعة فصول وهي: 1) انهيار المجتمع الأمريكي وعالم يشهد التحول. 2) رعب يتجاوز حدود الوصف: أحدث مرحلة ل«الحرب على الإرهاب». 3) إمبراطورية الفوضى. 4) الصراعات العالمية لأجل الهيمنة: «داعش»، «الناتو»، وروسيا. 5) هل يتفكك التلاحم الأوروبي؟ 6) منع البوركيني، الإلحاد الجديد، وعبادة الدولة: الدين في السياسة. 7) بناء تصورات عن «سلام مستدام». 8) كل شيء يعمل بشكل جيد لأجل الأغنياء والمتنفذين. 9) هل يمكن للحضارة أن تنقذ «رأسمالية موجودة حقاً»؟
ويضم الجزء الثاني عشرة فصول هي: 1) أمريكا في عهد ترامب. 2) القاعدة الجمهورية «خارج السيطرة». 3) انتخابات 2016 تضع الولايات المتحدة في خطر «كارثة مطلقة». 4) ترامب في البيت الأبيض. 5) الاحتباس الحراري ومستقبل الإنسانية. 6) التاريخ الطويل للتدخل الأمريكي في انتخابات الدول الأخرى. 7) إرث إدارة أوباما. 8)الاشتراكية للأغنياء، والرأسمالية للفقراء 9) النظام الصحي الأمريكي فضيحة دولية – وإلغاء قانون الرعاية الصحية «أوباما كير» سوف يجعل الأمر أسوأ. 10) مخاطر التعليم الذي يقوده السوق. أما الجزء الثالث فيتكون من ثلاثة فصول هي: 1) اللاسلطوية، الشيوعية، والثورات. 2) هل الولايات المتحدة مستعدة للاشتراكية؟ 3)لماذا اخترت التفاؤل وليس اليأس؟

 

ترجمة: نضال إبراهيم

ترك عمله ليتبع حلمه .. وصار ثرياً قبل الـ30

هل إيجاد وظيفة في مكتب هي حلمك؟ هذا الشاب استقال مبكراً بسبب شغفه بالسفر حول العالم، وحول هذا الحلم إلى موقع ناجح يصطاد أفضل فرص السفر ويقدمها للزبائن. بل رفض الشاب أن يعمل كمقاول تقليدي، فأينما كان الانترنت ستجده يعمل.

يقدّم نفسه كـ”نينجا الرحلات”، وتصل تقديرات الدخل الذي يولّده موقعه جرّاء تسجيلات الأعضاء إلى 750 ألف جنيه استرليني (843 ألف يورو) على الأقل خلال السنتين الأخيرتين. إنه شاب أمريكي يقطن في لندن لا يتجاوز عمره 30 عاماً، هو مؤسس موقع “جاكس فلايت كلوب” – أحد أشهر المواقع البريطانية التي تتيح لزوارها إيجاد رحلات بأرخص الأثمان.

وفي مقابلة مع صحيفة “ذي صن” البريطانية، قال جاك شيلدون إنه كان يعمل سابقاً موظفاً في قطاع تنمية الأعمال، ولكنه قرّر الاستقالة من منصبه والتركيز على مشروعه الذي يضم حالياً 21 ألف “عضو مميز” سجلوا في موقعه باشتراك شهري، من أصل 300 ألف عضو مسجل. وبحسب الصحيفة، فقد أتاح جاك للبريطانيين توفير ما يصل إلى خمسة ملايين جنيه استرليني في رحلاتهم.

 

المثير في الأمر أن هذا الشاب بدأ مشروعه في مقهى وانطلاقاً من سريره، وهو واليوم يعمل من حاسوبه من أيّ مكان بالعالم، أي أنه لا يحتاج إلى مكتب، ويعمل معه في موقعه ستة أشخاص، هم كذلك لديهم مطلق الحرية للعمل من أيّ مكان يرغبون، بشرط توفر جهاز الحاسوب واتصال بالإنترنت.

أما ما دفع شيلدون لإطلاق هذا المشروع فهو اصطدامه بالأسعار الباهظة للرحلات الجوية في كل مرة يرغب فيها بالسفر إلى الخارج، وبرزت أولى أفكار المشروع عندما تتبع الشاب الأسعار المتقلبة للرحلات الجوية، إذ اقتنع أن الأسعار المعقولة ترتبط بالتوقيت أكثر من الوجهة، ولذلك بدأ يبحث عن مواعيد الرحلات الرخيصة.

ونظراً لأن أصدقاءه كانوا كذلك مهتمين بعروض الرحلات الرخيصة، بدأ يرسل إليهم رسائل إلكترونية دورية بهذه العروض. وشيئا فشيئاً، بدأ عدد متلقي رسائله بالتزايد، وصار المئات يشتركون لتلقي هذه الرسائل يومياً. وفي سبتمبر/ أيلول عام 2016 قام جاك شيلدون بإنشاء موقعه، الذي جعله نادياً خاصاً بعشاق السفر الرخيص، وخصص لمن يشتركون في موقعه بـ35 جنيهاً استرلينياً شهرياً مميزات نوعية لا يتلقاها الأعضاء المشتركون بالمجان.

إ.ع/ ي.أ

القوة البحرية

لعبت البحار والمحيطات دوراً كبيراً في تحديد مصاير الشعوب والأمم، وجرت صراعات كبيرة فيها وعليها، بدايتها كان من البحر الأبيض المتوسط الذي شهد أكبر منسوب للعنف تاريخياً بين الإمبراطوريات المتصارعة. وأصبح المحيط الأطلسي، مؤخراً، من المحيطات غير المرغوبة لمسألة السلام والتعاون على المستوى الدولي، لكن هناك تخوف غربي وأمريكي تحديداً من تنامي القوة البحرية الصينية. يحاول الكاتب بحكم خبرته في بحار ومحيطات العالم كضابط كبير في البحرية الأمريكية أن يستعرض الصراعات الجارية ومصالح الدول الكبرى في التحكم بطرق الملاحة البحرية.
يستعرض الأميرال جيمس ستافريديس في هذا العمل المتميز رحلته الحياتية والمهنية المهمة عبر جميع المواقع المائية في العالم، ويقدّم قصة القوة البحرية كعامل في التطور البشري والتاريخ الإنساني بشكل عام، ويتناول دورها كعنصر حاسم في مسارنا الجيوسياسي الراهن.

يأتي الكتاب في تسعة أقسام بعد المقدمة بعنوان «البحر واحد»، وهي: 1) الباسيفيك: أم كل المحيطات. 2) المحيط الأطلسي. مهد الاستعمار. 3) المحيط الهندي: بحر المستقبل. 4) البحر الأبيض المتوسط: حيث بدأت الحروب البحرية. 5) بحر الصين الجنوبي: منطقة نزاع محتملة. 6) البحر الكاريبي: متوقف في الماضي. 7) المحيط المتجمد الشمالي: الوعد والمخاطر. 8) البحر الخارج عن القانون: محيطات كمسارح جرائم. 9) أمريكا والمحيطات: استراتيجية بحرية لأجل القرن الـ21.
بدايات الحروب البحرية

يتطرق ستافريديس إلى الصراعات التاريخية من زمن الإغريق وتصادمهم مع الفرس في البحر الأبيض المتوسط، وكيف أن قوة البحر كانت تحدد موازين القوة العالمية، مشيراً إلى أن دورها لم يتم الاستهانة به منذ فجر التاريخ، وحتى الوقت الراهن. يبين الأميرال ستافريديس كيف شكلت جغرافية المحيطات مصاير الأمم، وكيف صنعت القوة البحرية بالمعنى الحقيقي العالم الذي نحياه اليوم، وكيف أنها ستشكل العالم الذي سنعيشه في المستقبل.
يقدم الكاتب في عمله الصادر حديثاً في 384 صفحة عن دار «بينغوين للنشر» باللغة الإنجليزية، بشكل واضح تاريخاً بحرياً متسلسلاً، عبر رؤية جديدة في الاشتباكات البحرية الكبرى، ويشير إلى أنه بدأت الحرب في البحر في «الساحة التي لا تعرف الكلل» للبحر الأبيض المتوسط، التي تحتفظ بإمكانات كبيرة من العنف، بدءاً من معركة سلاميس التي وقعت في العام 480 قبل الميلاد بين تحالف من المدن اليونانية القديمة والإمبراطورية الفارسية في إطار الحروب الفارسية-اليونانية. جرت المعركة بالقرب من بحر إيجة في مضيق سالاميس بين البر اليوناني وجزيرة سالاميس، وهي جزيرة في خليج سارونيك بالقرب من أثينا، مني فيها الفرس بهزيمة تاريخية.
كما يتوقف عند معركة ليبانت التي وقعت في 7 أكتوبر من العام 1571 بين العثمانيين وتحالف أوروبي، وقد انتهت بهزيمة العثمانيين، وكانت الخسائر في تلك المعركة ضخمة للغاية لكلا الطرفين، إلا أن خسائر العثمانيين المعنوية كانت أشد فداحة من خسائرهم المادية، حيث كانت تلك المعركة الكبيرة ذات مردود سلبي في علاقة الدولة العثمانية بالأوروبيين، إذ أزالت من نفوس الأوربيين أسطورة أن الدولة العثمانية دولة لا تقهر، وهو ما شجع التحالفات الأوروبية ضدها بعد ذلك، وظهرت المراهنات على هزيمتها.
ويتناول معركة ترافلغار (الطرف الأغر أو طرف الغار) التي نشبت بين الأسطول الإنجليزي بقيادة الأميرال هوراشيو نيلسون ضد الأسطولين الفرنسي والإسباني المتحالفين تحت قيادة الأميرال الفرنسي بيير شارلز فيلنوف في 21 أكتوبر 1805 قرب رأس طرف الغار في قادس جنوب غرب إسبانيا، وقد سُمِّي ميدان طرف الغار في لندن باسم هذه المعركة تخليداً لانتصار نيلسون. كانت القوة العسكرية المهيمنة حينها على القارة الأوروبية هي الإمبراطورية الفرنسية بقيادة نابليون، في حين كانت البحرية البريطانية تسيطر على البحار. وأثناء الحرب فرضت القوات البريطانية حصاراً بحرياً على فرنسا ترك تأثيراً كبيراً على التجارة الفرنسية وأبقاها عاجزة عن تعبئة الموارد البحرية الخاصة بها.
ومن بين أهم المعارك التي تطرق إليها الكاتب أيضاً معركة الأطلسي، التي تعتبر أطول حملة عسكرية مستمرة خلال الحرب العالمية الثانية، شنتها ألمانيا النازية على بريطانيا لقطع الإمدادات عنها، فقد كان هتلر مصمماً على قطع الشريان الحيوي الذي يتمثل في المحيط الأطلسي من خلال ضرب السفن التجارية البريطانية وقطع الإمدادات عن بريطانيا القادمة إليها من الولايات المتحدة وكندا، لإجبارها على الاستسلام.
ويشير الكاتب إلى أنه شهدت نهاية عام 1942م بلوغ معركة الأطلسي ذروتها، حيث الصراع بين الغواصات الألمانية والأسلحة البحرية البريطانية والأمريكية والكندية استمر طوال سنة، إذ كان يتفاوت في القوة والكثافة، وكان ميزان القوى يتأرجح من جانبٍ لآخر حسب التقنيات والتكتيكات والقوى البشرية المتوفرة لدى كل جانب، لكن الحقيقة بقيت بأن المبادرة كانت بين أيدي الحلفاء. بعد مواجهتهم للخسارات الفادحة في السفن، أصبحت معركة الأطلسي مهمةً في التخطيط الاستراتيجي والجهود الموجهة نحو معارك الغواصات. وبحلول نهاية عام 1942، ومع وصول خسائر الملاحة التجارية لأعلى معدلاتها، فقد تحطمت أكثر من مئة غواصةٍ ألمانية مع أطقمها، وسحبت الغواصات الألمانية، ثم اتخذت مواقع دفاعية عند شواطئ فرنسا.

قوة البحار

يقدم الكاتب رؤيته الاستراتيجية من مسيرته البحرية الطويلة، وهو يدعم أفكار الضابط الأمريكي ألفريد ثاير ماهان (1840-1914) الذي يطلق عليه الأمريكيون لقب «الاستراتيجي الأمريكي الأكثر أهمية في القرن التاسع عشر الميلادي»، فقد كان مفهومه عن «قوة البحر» مبنياً على فكرة أن الدول صاحبة القوة البحرية الأعظم سيكون لها التأثير الأكبر في جميع أنحاء العالم، ومن المعروف أن هذا المفهوم قُدِمَّ من خلال كتاب تاريخي وهو «تأثير قوة البحر على التاريخ»، وقد كان لهذا المفهوم انعكاسه الكبير في صياغة الفكر الاستراتيجي للقوى البحرية في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكذلك بريطانيا. وما تزال أفكاره مسيطرة على مبادئ البحرية الأمريكية.
والأميرال جيمس ستافريديس يؤكد على ما ذهب إليه في أن السيطرة على المحيطات وغيرها من التجمعات الرئيسة للمياه كانت تشكل مصلحة كبرى للقوى العظمى على مر التاريخ. يستخدم ستافريديس تجربته الجيوسياسية في عرض هذه المعلومات بطريقة يوصي فيها الولايات المتحدة بتجنب الحوادث غير الضرورية، والعمل على وضع نفسها في موقع استراتيجي متفوق باستخدام سلطتها البحرية.
يركز خلال عمله على أهمية وحساسية المحيط الهادي والآثار المترتبة على ارتفاع القوة البحرية الصينية، وكيف يمكن لجهودها أن تغير من اللعبة العالمية، إذ إنها تشير إلى قدرات هجومية في المستقبل.. وفي فصل لاحق حول بحر الصين الجنوبى، يحذر من أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتحدى مطالب الصين الإقليمية، وأن تفشل استراتيجيتها العالمية، ويرى أن المواجهة قد تكون ضرورية إذا لم يؤت التعاون الإقليمي ثماره. ويرى أنه يأمل في مبادرات متعددة الجنسيات مثل العملية الأخيرة بين القوات الأمريكية واليابانية والهندية. وعلى الرغم من أن ستافريديس لديه مخاوف بشأن سباق التسلح الإقليمي المتنامي، فإنه لا يزال يؤكد أن المحيط الهادي ربما يواصل تطوره سلمياً.
ويعتبر «العلاقة الخاصة» بين البحرية الأمريكية والبريطانية موضوعاً مهماً آخر، حيث إن المناقشات تتجه نحو المحيط الأطلسي. ويعتقد ستافريديس أنه لأول مرة في التاريخ، برز المحيط الأطلسي كمنطقة غير مستحبة من التعاون والسلام على المستوى العالمي. يجد ستافريديس أن بحر الصين الجنوبي، وهو الوافد الجديد نسبياً إلى الجغرافيا السياسية البحرية، ولكنه يتمتع بأهمية كبرى في القرن الحادي والعشرين. ويعرض أيضاً الأدوار التي يقوم بها البحر الكاريبي والمحيط المتجمد الشمالي.

رؤية استراتيجية

يقول الكاتب في نهاية عمله أن «الكتلة الرئيسة من المياه والتي تعد على بعد مسافة كبيرة من الولايات المتحدة، على الجانب الآخر من العالم، هي المحيط الهندي. هنا يجب أن تأخذ استراتيجيتنا أولاً وقبل كل شيء في الاعتبار قوة الهند العظمى الناشئة. وينبغي أن نفعل كل ما في وسعنا دبلوماسياً وثقافياً وعسكرياً، وسياسياً، لتعزيز علاقاتنا مع الهند. وهذا ينبغي أن يتضمن بوجه خاص التعاون في المجال البحري، بما في ذلك سلسلة جديدة من التدريبات والمناورات مع البحرية الهندية؛ وترويج مبيعات الأجهزة البحرية المتقدمة، ولا سيما منظومة «أيجيس» القتالية؛ والتعاون في تشغيل الغواصات النووية؛ والعمل كذلك مع الهند واليابان على التمارين البحرية التي تركز على مكافحة القرصنة في الطرق المتبعة في المحيط الهندي وحولها؛ وتطوير برنامج لدبلوماسية العلوم البحرية طويلة الأمد للمحيط الهندي».
ويضيف إلى أنه «بالإضافة إلى العمل عن كثب مع الهند، لدينا حليفان أنغلوفونيان كبيران هما نيوزيلندا واستراليا، اللتان تعدّان على درجة من الأهمية أيضاً. فأستراليا ذات أهمية جيوستراتيجية كبيرة نظراً لحجم ساحلها، الذي يتضمن «واجهة بحرية» ساحلية ضخمة على المحيط الهندي. فضلاً عن أن بريطانيا العظمى لا تزال مستمرة بامتلاك جزيرة دييغو غارسيا المرجانية، ولها انتشار دولي حتى بحر الخليج العربي أيضاً، ومشاركتنا هناك ستكون حاسمة».
ويعلق على أهمية الخليج العربي من الناحية البحرية: «والخليج العربي سيستمر في كونه ممراً مائياً مهماً للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، والروابط بين المحيط الهندي الكبير والخليج العربي سيكون نقطة تماس «ساخنة» في الشؤون البحرية. يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في الحفاظ على أسطول بحري كبير (أسطولها الخامس) في المنطقة». ويقول: «وأخيراً هناك المحيط المتجمد الشمالي، المنطقة الاستراتيجية على قمة العالم سوف تكون مهمة بدرجة متزايدة بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية، ويجب أن يتضمن نهجنا في الشمال، أولاً وقبل كل شيء، ضمان أننا نمتلك ما يكفي من كاسحات الجليد. وهذا يعني برنامجاً استراتيجياً لشراء (أو إيجار) كاسحات الجليد».

بنية تحتية

ويضيف: «بالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى بنية تحتية أكثر للاستكشاف والتنقل في القطب الشمالي. فليس هناك أسطول بحري محدد للمحيط المتجمد الشمالي، وفي اللحظة الراهنة تخصيص أسطول واحد ليس ضرورياً. سيكون النهج الأفضل جعل هذه المنطقة ذات تركيز بالنسبة لحرس السواحل الأمريكي مع تقديم وزارة الدفاع الدعم عند الحاجة إليه».
ويقول أيضاً: «كل من أقصى جنوب المحيط الأطلسي وجنوب المحيط الهادي نسبياً منطقتان آمنتان، ويمكن اعتبارهما مسرحين للأحداث يمكن فيهما استخدام«اقتصاد استراتيجية القوة». وهذا يعني ببساطة أننا لا نحتاج نشر سفن وقواعد بشكل دائم في أي من المنطقتين. سنحتاج فقط القيام برحلات مناسباتية لدعم التواجد وإجراء اتصالات عسكرية – عسكرية أساسية، ولكن لن يتطلب الأمر قوى عسكرية كبيرة».
ويختم الأميرال عمله بالقول: «في النهاية، نحن دولة جزيرة، محاطة بالمحيطات، تقوم على التجارة العالمية، والأسواق الدولية، وبعثات الصيد، الحفارات البحرية، والطرق المائية لمحيطات العالم. من دون المحيطات، وقدرتنا على الإبحار عبرها، سوف نتلاشى بشكل كبير كدولة. فقدرتنا على الملاحة عبر المحيطات ستكون جزءاً حاسماً من رحلة دولتنا في هذا القرن».

نبذة عن المؤلف:

جيمس ستافريديس، أميرال متقاعد من البحرية الأمريكية، والعميد الحالي لمدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، وهي كلية الدراسات العليا للشؤون الدولية. يعمل ستافريديس كمحلل دبلوماسي دولي ومحلل للأمن القومي في «إن بي سي نيوز» في نيويورك. وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة المعهد البحري الأمريكي، وزميل أول في مختبر الفيزياء التطبيقية لجامعة جونز هوبكنز.
درس في الأكاديمية البحرية الأمريكية في 1976. قضى أكثر من 35 عاماً من الخدمة النشطة في البحرية. وقد قاد المدمرات ومجموعة ضربات حاملات الطائرات في القتال، وعمل لمدة سبع سنوات كأميرال بأربع نجوم، من بينها ما يقارب أربع سنوات كأول ضابط في البحرية يتم اختياره قائداً أعلى للقوات المتحالفة للعمليات العالمية في الناتو. بعد تقاعده من البحرية عين عميداً لمدرسة فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس في عام 2013. كتب العديد من المقالات حول قضايا الأمن العالمي لصحف «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، و«ذا أتلانتيك».

عرض وترجمة: نضال إبراهيم