أمام شباب وشابات العرب الكثير ليتعلموه

يخطئ من يعتقد بأن مجتمعات الوطن العربي ستقبل صاغرة أو متعبة بالأوضاع الحالية المزرية التي وصلت اليها، بعد أحداث وفواجع الحراكات الجماهيرية العربية الكبيرة التي اجتاحت الأرض العربية عبر الثماني سنوات الماضية. هذا قول يتناقض مع تاريخ المسيرة الانسانية ومع المنطق ومع رياح التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية والتواصلية الكبرى التي تهب على العالم كله.
وبالطبع فإن فترات علق الجراح وتضميدها تتصف عادة بالهدوء الخادع، لكن ما يحمله المستقبل لا يمكن الا أن يحمل في أحشائه ما يصحح الحاضر. ولذلك فان مظاهرات الجياع والعاطلين عن العمل والمهمشين التي جابت شوارع العديد من عواصم العرب وأريافها ما هي الا النسائم التي تشير الى عواصف الأفق البعيد.
ولأن شباب وشابات الأمة العربية هم الذين سيصنعون ذلك المستقبل فان الحاجة ماسة لأن يذكروا بأهمية دراسة ووعي مسيرات بعض الأنساق السياسية والفكرية التي صنعت عالم اليوم. في مقدمة هذه الأنساق النسق الذي صنعته الايديولوجية الليبرالية عبر مسيرتها خلال القرنين الماضيين. لقد ولدت تلك الايديولوجية من رحم الحداثة، التي بدورها ولدت من رحم الثورتين الفرنسية والأميركية اللتين رفعتا شعارات تغييرات راديكالية اجتماعية وسياسية. لكن الليبراليين أصابهم الذعر من امكانية حدوث فوضى وصراعات دموية. ولذلك قرروا أن تكون ايديولوجيتهم وسطية، بين الراديكالية اليسارية واليمينية المحافظة. في قلب تلك الوسطية كان شعار الاصلاح التدريجي وعدم اختصار الوقت. وقدم الليبراليون صفقة متوازنة تقوم على تقليص امتيازات الطبقة المحافظة القديمة، ولكن دون اجتثاثها، وعلى تحسين أوضاع الطبقات العاملة والفقيرة من خلال السماح بتواجد تنظيماتها المدافعة عن حقوقها من جهة، ومن خلال القبول بدولة الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم والصحة والاسكان والبطالة. ومن جهة ثانية.
وبالرغم من قيام الثورات الاشتراكية هنا أو هناك، وبالرغم من محاولة الانتقال الى النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، الا أن النسق الليبرالي في الحكم والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية ظل هو السائد والثابت عبر قرنين كاملين. من هنا ساد المجتمعات الغربية الهدوء والسلم الأهلي بصورة عامة. لكن الليبرالية انقلبت على نفسها عندما انتقلت من أصولها الكلاسيكية الى صورتها الجديدة: الليبرالية الجديدة العولمية البالغة التوحش والاستقطاب، بل وحتى المعادية لبعض جوانب الديموقراطية. لقد تم كل ذلك خلال الثلاثين سنة الماضية، بعد أن ادعى الليبراليون من أمثال السيدة المتوفاة، مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، وأمثال المتوفى رونالد ريجان، الرئيس الأميركي السابق، بأن العمال والفقراء قد بالغوا في مطالبهم وأنهم بنقاباتهم القوية المنظمة يعرقلون الاقتصاد الرأسمالي الانتاجي.
اليوم يجري الحديث عن نهاية الليبرالية، بعد أن فشلت في تحقيق وعودها من خلال الاصلاحات البطيئة وقيام دولة الرفاهية الاجتماعية. فالاصلاحات تتراجع ودولة الرعاية الاجتماعية يجرى بناء حيادها الكاذب من خلال تخليها عن مسؤولياتها الاجتماعية ومن خلال هيمنة متطلبات حرية الأسواق التجارية على كل تصرفاتها.
أي أن الليبرالية أصبحت، بقصد أو بدون قصد، تعادي الديموقراطية الشاملة العادلة، التي تشمل السياسة والاقتصاد، والتي تصر على التوزيع العادل للثروة ولا تكتفي بوجود انتخابات وبرلمانات فقط.
ما الهدف من سرد تفاصيل تلك المسيرة على شباب وشابات الأمة العربية؟ الهدف هو تحذيرهم من الأهداف الخفية وراء الناقدين والشامتين لما جرى في الأرض العربية وذلك بقصد اقناع الناس بالتخلي عن شعارات الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، التي نادت بها حناجر الملايين من شعوب الأمة العربية، واستبدالها بشعارات غامضة تبطئ، بل وتعيق، انتقال المجتمعات العربية من أوضاعها المتخلفة الدموية الحالية، ومن علاقاتها الاجتماعية التسلطية الاستغلالية السابقة، الى أنظمة ديموقراطية تقوم على أسس الحرية والكرامة والمساواة والعدالة والمواطنة الحقة.
سيكثر الحديث عن العقلانية والسلم الأهلي ومخاطر الفوضى وجهالة الغوغاء، وتدمير فرص الاستثمارات الخارجية وحركة السياحة… الخ. ولكن سيجري القفز فوق قيم العدالة في توزيع الثروة والسلطة والجاه، وفجيعة الاستباحة الاستعمارية والصهيونية لكل الأرض العربية، وتصدع التضامن العربي، وتجديد الثقافة العربية والفقه الاسلامي، وغيرها الكثير الكثير.
للشباب العربي عبرة في مسيرة الأخطاء والخطايا للبرالية الكلاسيكية الغربية، التي لا تزال تنقل تلك المجتمعات من أزمة الى أزمة، ومعها مجتمعات العالم كله.
واذا كنا قد فصلنا مسيرة الأيديولوجية الليبرالية فلأنها النسق المطلوب في عصرنا. لكن هناك دروساً وعبراً في مسيرة الايديولوجيات الكبرى الأخرى. وهي الأخرى، تحتاج الى أن يؤخذ ويترك منها. مسيرة هذا العالم التاريخية مليئة بالوعود والأحلام الكاذبة. والذين يريدون أن يتصدوا للمستقبل من شباب وشابات هذه الأمة عليهم دراسة ذلك التاريخ، اذ حتى الآن ظلت تلك الأحلام والوعود وراء ألف قناع وقناع، والنتيجة هي عالمنا المريض التائه المأزوم الذي نراه أمامنا.

 

التفاؤل وسط كوارث الرأسمالية

ظلّ المفكر نعوم تشومسكي «الضمير الأخلاقي لأمريكا» لأكثر من نصف قرن من الزمن (ولو أنه بقي مجهولاً لغالبية الأمريكيين)، بالإضافة إلى أنه مفكر معروف على المستوى العالمي، إذ إنه يتحدث باستمرار عن موقفه الرافض للسياسات العدائية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الدول الأخرى، وانتهاكها حقوق الإنسان، ويدافع عن الضعفاء والمضطهدين في مختلف أنحاء العالم منذ زمن الحرب الفيتنامية إلى الوقت الراهن. في الكتاب الذي بين يدينا نتعرف إلى آرائه عبر حوارات على مدى أربع سنوات أجراها معه الكاتب سي جي. بوليكرونيو.
يضم هذا الكتاب نظرة عامة شاملة على مشاكل عالمنا اليوم، وكيف ينبغي أن نستعد للغد، وذلك من خلال حوارات مع المفكر العالمي البارز نعوم تشومسكي، الذي يرى أننا اليوم أمام خيارين وهما: يمكننا أن نكون متشائمين أمام ما يحدث من كوارث للرأسمالية في العالم، وأن نستسلم، ونساعد على ضمان أن الأسوأ سيحدث، أو يمكننا أن نكون متفائلين، وننتهز الفرص التي تأتي، وهي موجودة بالتأكيد، وربما نساهم في جعل العالم مكاناً أفضل.

من خلال هذه الحوارات التي أجريت من أواخر 2013 إلى أوائل 2017، وقد نشرت في موقع (http://www.truth-out.org) يجيب المفكر السياسي تشومسكي عن أسئلة تتعلق باستكشاف النيوليبرالية المتصاعدة، وأزمة اللاجئين في أوروبا، وحركة «حياة السود تهم»، والنظام الانتخابي الأمريكي المختل، والآفاق والتحديات أمام بناء حركة تهدف إلى تحقيق تغيير جذري. كما يضم الكتاب مقابلات عن حملة الانتخابات الأمريكية 2016 والمقاومة العالمية لترامب.
ويقول سي جي. بوليكرونيو في مقدمته عن تشومسكي: «يبقى صوت تشومسكي بمفرده في الغالب مشعل الأمل والتفاؤل في هذه الأوقات السوداء، حيث تسود فيها اللامساواة الاقتصادية بشكل لا نظير له، وتزايد السلطوية، والداروينية الاجتماعية، مع حركة يسار أدارت ظهرها للصراع الطبقي».
ويضيف: «في الآونة الأخيرة، كانت هناك إشارات قوية وواضحة عبر الطيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي كله في المجتمعات الغربية، حيث إن تناقضات العولمة الرأسمالية والسياسات النيوليبرالية المرتبطة معهم تهدد بكشف القوى المتنفذة مع القدرة على إنتاج ليس فقط نتائج مدمرة بشكل كبير لأجل تحقيق النمو، والازدهار، والعدالة، والسلام الاجتماعي، بل أيضاً نتائج مصاحبة لأجل تحقيق الديمقراطية، والحفاظ على البيئة، والحضارة الإنسانية بشكل عام».
ويشير إلى أن تشومسكي لا يزال، رغم ذلك، يجد أن الشعور باليأس أمام ما يحصل ليس خياراً. لا يهم مدى البشاعة التي يظهر بها وضع العالم الراهن، فالمقاومة للاضطهاد والاستغلال لم تكن في يوم من الأيام مشروعاً غير مثمر، حتى في أوقات أحلك من أوقاتنا. في الحقيقة، «الثورة المضادة» لترامب في الولايات المتحدة أخرجت إلى النور قوة ردع للقوى الاجتماعية التي تقف في وجه طموحات الأوتوقراطيين. يبدو أن مستقبل المقاومة في الدولة الأكثر نفوذاً في العالم يظهر أنه واعد أكثر من أجزاء أخرى عديدة في العالم الصناعي المتقدم.
في هذا السياق، يعتبر الكاتب سي جي. بوليكرونيو أن المأمول من حواراته هنا مع تشومسكي أن تساعد في تقديم آرائه وأفكاره لجيل جديد من القراء، خاصة أنها تبقي الإيمان بالقدرة الإنسانية على تقديم مقاومة عنيدة في وجه قوى الظلام السياسي، وفي النهاية يمكن لها تغيير سياق التاريخ نحو الأفضل.

عالم يشهد التحول

تواجه الولايات المتحدة أوقاتاً عصيبة، وفي الوقت الذي لا تزال فيه القوة العظمى العالمية الوحيدة، إلا أنها لم تعد قادرة على التأثير على الأحداث وتحقيق النتائج التي تروق لها، وإن كان الأمر بشكل جزئي. يبدو أن الإحباط والقلق بشأن مخاطر الكوارث المنتظرة فاقا آمال الناخبين الأمريكيين خلال انتخابات 2016 في إقامة نظام عالمي أكثر عقلانية وعدلاً. يشير نعوم تشومسكي إلى أن صعود شعبية دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية وتسلمه الرئاسة حدث بسبب حقيقة أن المجتمع الأمريكي يتعرض للانهيار.
اخترنا بعض الأسئلة من هذه المقابلة الأولى، التي يعالج فيها نعوم تشومسكي التطورات المعاصرة في كل من الولايات المتحدة وحول العالم، ويواجه التحديات السائدة والآراء حول الحرب الطبقية، النيوليبرالية كنتيجة للقوانين الاقتصادية، ودور الولايات المتحدة كقوة عالمية، ووضع الاقتصادات الناشئة، وقوة اللوبي «الإسرائيلي».
السؤال الأول هو: «نعوم، لقد قلت إن صعود دونالد ترامب يرجع إلى حد كبير إلى انهيار المجتمع الأمريكي. ماذا تقصد بهذا بالضبط؟»
يجيبه تشومسكي: «كانت للبرامج الحكومية المشتركة مع الشركات التجارية في السنوات ال 35 الماضية أو نحو ذلك آثار مدمرة على أغلبية السكان، حيث أصبح الركود والانحدار الاقتصادي واللامساواة الكبيرة بين السكان من أكثر النتائج المباشرة. وقد خلق الخوف لدى السكان، وتركهم يشعرون بالعزلة، والعجز، وأنهم ضحايا القوى المتنفذة التي لا يمكن فهمها أو التأثير عليها. والانهيار هنا لا ينجم عن القوانين الاقتصادية، بل إنه متعلق بسياسات، هي نوع من الحرب الطبقية التي بدأها الأغنياء والأقوياء ضد العمال والفقراء. هذا ما يمكن أن نعرّف به الفترة النيوليبرالية، ليس فقط في الولايات المتحدة وحدها، بل في أوروبا وغيرها أيضاً. وترامب يناشد أولئك الذين يشعرون ويختبرون انهيار المجتمع الأمريكي، ممن تتملكهم مشاعر عميقة من الغضب والخوف والإحباط واليأس، وربما بين قطاعات السكان نشهد زيادة في معدل الوفيات، وهو شيء لم يسمع عنه بعيداً عن الحرب».

الحرب على الإرهاب

في سؤال ثان يسأله الكاتب: «على جبهة السياسة الخارجية، يبدو أن «الحرب على الإرهاب» مشروع لا ينتهي أبداً، كما هو الحال مع الوحش عدار، (حية عظيمة قتلها هرقل في الأساطير اليونانية. يقال إنها كانت ذات تسعة رؤوس؛ كلما قطع رأس منها، نبت رأس آخر، بحسب ويكبيديا). هل يمكن للتدخلات الضخمة للقوة أن تقضي على المنظمات الإرهابية مثل «داعش»؟»
تشومسكي يجيبه قائلاً: «لدى تولي أوباما منصبه، قام بزيادة حجم قوات التدخل وعزز الحروب في أفغانستان وباكستان، تماماً كما وعد بذلك. كانت هناك خيارات سلمية، وبعضهم من التيار السائد في الشؤون الخارجية على سبيل المثال وصى بها. ولكنها لم تكن قيد النظر. وكانت الرسالة الأولى لحامد قرضاي الرئيس الأفغاني إلى أوباما، والتي لم يرد عليها، هي طلب وقف قصف المدنيين. كما أبلغ قرضاي وفداً من الأمم المتحدة بأنه يريد جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأجنبية. وعلى الفور، فقد سقط من حسابات واشنطن، ووفقاً لهذه التحولات أصبح من رئيس مفضل لدى الولايات المتحدة عبر وسائل الإعلام إلى رئيس «لا يمكن الاعتماد عليه» و«فاسد»، وما إلى ذلك، وهو ما لم يكن صحيحاً أكثر مما كان عليه عندما كان يتم الاحتفاء به والقول بأنه «رجلنا» في كابول.
أرسل أوباما المزيد من القوات وعزز القصف على جانبي الحدود الأفغانية – الباكستانية أو ما يعرف ب«خط دوراند»، (هو خط حدودي يبلغ طوله 2640 كيلومتراً، يمتد بين أفغانستان وباكستان)، وهو عبارة عن حدود مصطنعة أنشأها البريطانيون، والتي قسّمت مناطق البشتون إلى منطقتين، ولم يقبلها الشعب أبداً. وكثيراً ما مارست أفغانستان ضغوطاً في الماضي لأجل طمسه.
هذا هو العنصر المحوري في «الحرب على الإرهاب». كان من المؤكد أنها تحفز الإرهاب، تماماً كما فعلت في غزو العراق، وكيفية اللجوء إلى استخدام القوة بشكل عام. فرض القوة يمكن أن ينجح. وجود الولايات المتحدة هو مثال على ذلك. الروس في الشيشان مثال آخر. ولكن يجب أن تكون ساحقة، وربما هناك الكثير من المخالب للقضاء على الوحش الإرهابي الذي أنشئ إلى حد كبير من قبل ريجان وشركائه. «داعش» هو آخر تنظيم، وأكثر تنظيماً في استخدام الوحشية من تنظيم القاعدة. وهذا التنظيم مختلف أيضاً من ناحية أن لديه مطالبات في الأراضي. ويمكن القضاء عليه من خلال توظيف هائل للقوات على الأرض، ولكن ذلك لن ينهي ظهور منظمات متشابهة معها في التفكير. فالعنف يولد العنف.

تأثير اللوبي «الإسرائيلي»

وفي سؤال ثالث: «في العديد من الدوائر، هناك انطباع واسع الانتشار بأن اللوبي «الإسرائيلي» يدعو إلى إطلاق النار في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. هل قوة اللوبي «الإسرائيلي» قوية بحيث يمكن أن يكون لها تأثير على قوة عظمى؟»
تشومسكي يرد بالقول: يصف صديقي جيلبرت الأشقر، المتخصص في الشرق الأوسط والشؤون الدولية عموماً، هذه الفكرة بأنها «وهمية». بحق. ليس اللوبي هو الذي يهدّد صناعة التكنولوجيا العالية في الولايات المتحدة لأجل توسيع استثماراتها في «إسرائيل»، أو أنه يلوي ذراع الحكومة الأمريكية حتى يتم وضع الإمدادات هناك مسبقاً للعمليات العسكرية الأمريكية في وقت لاحق، وتكثف العلاقات العسكرية والاستخباراتية الوثيقة.
عندما تتفق أهداف اللوبي مع المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية المعروفة، فإنها عادة ما تصل إلى: سحق الفلسطينيين، على سبيل المثال، وهو أمر لا يثير إلا قلقاً ضئيلاً لقوة الولايات المتحدة الأمريكية. عندما تتباعد الأهداف، كما يحدث غالباً، يختفي اللوبي بسرعة، ويعرف أكثر من مواجهة السلطة الحقيقية.

التهديد الصيني

وفي سياق آخر يسأله الكاتب: «هل ترى الصين في وضعية يمكن أن تشكل تهديداً للمصالح العالمية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى؟»
يردّ تشومسكي: «من بين القوى العظمى، كانت الصين الأكثر تحفظاً في استخدام القوة، وحتى من ناحية الاستعدادات العسكرية. لدرجة أن المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين البارزين جون ستينبرونر ونانسي جالاجر كتبا مقالاً في مجلة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم التي تحظى باحترام كبير، دعوا فيه الصين قبل بضع سنوات إلى قيادة تحالف من الدول المحبة للسلام لمواجهة العسكرة العدوانية للولايات المتحدة التي يعتقدون أنها تؤدي إلى «الموت النهائي». ولا توجد دلائل تذكر على أي تغيير مهم يحدث في هذا الصدد. ولكن الصين لا تتبع الأوامر، وتتخذ خطوات للوصول إلى الطاقة والموارد الأخرى في جميع أنحاء العالم. وهذا يشكل تهديداً».
يأتي الكتاب كله في هذا السياق الحواري، الذي يتميز بغنى في المعلومات والإجابات عن أسئلة ربما تخطر على بال الكثير من القراء.
يلخص تشومسكي في إجاباته استنتاجاته العامة تجاه سياسة الولايات المتحدة وأفعالها العسكرية في العالم، وتكون تحليلاته دائماً مستندة على حقائق لا تقبل النقاش، وتكون موجهة بعمق أيضاً وفق اعتبارات أخلاقية حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والاحترام الإنساني العام.

بنية الكتاب

الكتاب يقع في 224 صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر عن دار «بينكوين» البريطانية باللغة الإنجليزية في 2017. ويحتوي على ثلاثة أجزاء بعد المقدمة، يضم الأول تسعة فصول وهي: 1) انهيار المجتمع الأمريكي وعالم يشهد التحول. 2) رعب يتجاوز حدود الوصف: أحدث مرحلة ل«الحرب على الإرهاب». 3) إمبراطورية الفوضى. 4) الصراعات العالمية لأجل الهيمنة: «داعش»، «الناتو»، وروسيا. 5) هل يتفكك التلاحم الأوروبي؟ 6) منع البوركيني، الإلحاد الجديد، وعبادة الدولة: الدين في السياسة. 7) بناء تصورات عن «سلام مستدام». 8) كل شيء يعمل بشكل جيد لأجل الأغنياء والمتنفذين. 9) هل يمكن للحضارة أن تنقذ «رأسمالية موجودة حقاً»؟
ويضم الجزء الثاني عشرة فصول هي: 1) أمريكا في عهد ترامب. 2) القاعدة الجمهورية «خارج السيطرة». 3) انتخابات 2016 تضع الولايات المتحدة في خطر «كارثة مطلقة». 4) ترامب في البيت الأبيض. 5) الاحتباس الحراري ومستقبل الإنسانية. 6) التاريخ الطويل للتدخل الأمريكي في انتخابات الدول الأخرى. 7) إرث إدارة أوباما. 8)الاشتراكية للأغنياء، والرأسمالية للفقراء 9) النظام الصحي الأمريكي فضيحة دولية – وإلغاء قانون الرعاية الصحية «أوباما كير» سوف يجعل الأمر أسوأ. 10) مخاطر التعليم الذي يقوده السوق. أما الجزء الثالث فيتكون من ثلاثة فصول هي: 1) اللاسلطوية، الشيوعية، والثورات. 2) هل الولايات المتحدة مستعدة للاشتراكية؟ 3)لماذا اخترت التفاؤل وليس اليأس؟

 

ترجمة: نضال إبراهيم