عن الطغيان.. دروس القرن العشرين في انحسار الديمقراطية

 

نتحدث عن جانبي السلطة والحكم والنفوذ والسيطرة عبر التاريخ وهما: الديمقراطية والطغيان، وفي الوقت الذي عرفت فيه البشرية عديد الأفكار، وصاغت مفاهيم ومصطلحات تنصرف إلى معان سامية من قبيل: الشورى، أو قبول الآخر، أو التسامح أو التفاهم أو التوافق، فقد ظل الجانب المقابل بمثابة صخرة كأداء تحُول دون انطلاق البشر إلى حيث يتفاهمون، ويتراحمون ويتسامحون ويتواصلون، وظل الطغيان أشبه بكابوس يقضّ مضاجع الشعوب عبر التاريخ.

وها هو الأكاديمي تيموثي سنايدر أستاذ علم التاريخ جامعة ييل التي تعد واحدة من كبرى الجامعات الأميركية، قد أصدر أخيراً دراسته المركزة عن ظاهرة أو آفة الطغيان، لا عبر مراحل انقضت من تواريخ الشعوب وإنما عن أقرب مرحلة لا يزال يعيشها الناس في الفترة الزمنية الراهنة، حيث اختار المؤلف لكتابه عنواناً مباشراً، هو «عن الطغيان: عشرون درساً في القرن العشرين».

البروفيسور «سنايدر» يَصدر في مقولات كتابه عن منطلق محدد يصوغه في العبارات التالية:

• إن الآباء المؤسسين (للولايات المتحدة) حاولوا أن يحُولوا بيننا وبين الإصابة بداء الطغيان الذي طالما اجتاح الديمقراطيات القديمة، ولكن ها نحن اليوم وقد أصبحنا نواجه تهديدات جديدة ليست بعيدة الشبه بما سبق وشهدته مراحل سبقت من التاريخ.

أستاذ التاريخ الذي أصدر هذا الكتاب عكف على تدارس ما شهدته عقود وسنوات القرن الماضي من أنظمة حُكم ومن أيديولوجيات وأطروحات وشعارات وأفكار، اتسم الكثير منها، بحسب رأي المؤلف، بآفة الطغيان والديكتاتورية والشمولية والاستبدادية، فما بالك، يلاحظ المؤلف، أن هذه «الطغيانات»، إن جاز المصطلح، نشأت وتطورت وازدهرت، لا في الأصقاع المنسية من غابات العالم، ولا في الساحات القصّية، شبه المجهولة أو شبه المتخلفة من خارطة البسيطة. بل في قلب العالم المتقدم وقتها، تقنياً وثقافياً وعملياً، يستوي في ذلك روسيا الشيوعية، أو ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشستية أو حتى اليابان الإمبراطورية.

وفيما يواصل المؤلف العزف على هذه النغمة، فهو يصل إلى نهايات القرن العشرين، موضحاً أن القوم تصوروا وقتها أنهم وصلوا إلى منعطف حاسم مع انهيار الكيان الشيوعي ـ السوفييتي في مفتتح تسعينات القرن المذكور.. وكان أن أطلقوا عليه وصف «نهاية التاريخ»، وربما كانوا يمنّون أنفسهم بمنطق التعلّل بالأمنيات، بافتتاح عالم جديد من الحرية والديمقراطية والإصغاء إلى صوت البسطاء وإنصاف المهمشين في العالم المستجّد المأمول، في حين أن القرن الجديد جاء ليشهد للأسف حروباً وصراعات، شكل البسطاء والمهّمشين غالبية ضحاياها.

وهنا يرفع المؤلف نغمة التحذير قائلاً في سطور محددة «..الأميركيون في أيامنا الحالية، ليسوا أعقل ولا أذكى من نظرائهم الأوروبيين الذين عايشوا، خلال عقود القرن الماضي، تحولات بلادهم (ألمانيا، إيطاليا وشرق أوروبا مثلاً) إلى نظم الطغيان الشمولية التي عصفت بالديمقراطية بكل معانيها ومبادئها وتجلياتها». وفي هذا السياق، يسوق المؤلف نماذج، من الواقع الأميركي، على خطورة مثل تلك التحولات، لاسيما في ظل الإدارة الجمهورية الحالية ورئاسة ترامب للولايات المتحدة.

صحيح أن شعارات الديمقراطية ما زالت مرفوعة. ويتصدرها الشعار الأثير الذي تلخصه العبارة المفروض أن تضبط العلاقات بين السلطات الحاكمة في الدولة «المراجعات والتوازنات» (Checks and Balances)، إلا أن الأصح، وفق المؤلف، هو أن إدارة الرئيس ترامب الراهنة لا تفتأ، تشنّ هجومها على «ميديا» الاتصال والتوعية والتنوير والإعلام وعلى منظومات التوعية والفكر والثقافة بشكل عام، مستخدمة في ذلك سبل التواصل الاجتماعي فضلاً عن طرحها، المتعمد طبعاً، لشعارات ومرويات وتصريحات من شأنها إبقاء الجمهور المتلقي في حالة تشكيك وحيرة وتضارب إزاء ما يتلقاه من أفكار ومعلومات.

في السياق نفسه، يرصد المؤلف نماذج من مشاركة فئات المثقفين والمهنيين في مثل هذه التجاوزات التي تتحول بالممارسات السياسية من ساحات الديمقراطية إلى كهوف الطغيان، حيث يتوقف ملياً عند سلوكيات وطروحات و«اجتهادات» المحامين والصحفيين وكبار الموظفين، والمسؤولين المدنيين الذين وضعوا خلاصة خبراتهم في خدمة هذا اللون المستجد والمزوّق أيضاً من سلوكيات «الطغيان» من طراز الألفية الثالثة.

ولا حل في نظر المؤلف سوى أن تنشط كل دوائر المجتمع المدني، في الولايات المتحدة وغيرها من الأقطار، بحيث يصبح من واجبها التنبه إلى هذه التحولات التي لا يكاد يشعر بها أحد ما بين ممارسات الديمقراطية إلى آفات اللاديمقراطية ومهاوي الاستبداد والطغيان.

ويتمثل الحل، بنظر البروفيسور تيموثي سنايدر، في أن يتمسك الإنسان العادي، المواطن البسيط بأنه «مواطن» بالدرجة الأولى، وأن له حقوقاً يتفاعل معها ويطالب بتفعيلها من خلال مؤسسات المجتمع المدني وتجمعات ورابطات المواطنين، بل يصل أمر المؤلف إلى دعوة أهل الاختصاص إلى تدارس وتحليل الشعارات والعبارات التي يطرحها القادة في الوقت الراهن، وعلى رأسهم بالطبع رئيس الدولة سواء كانت خطابات أو تغريدات ومن ثم تكون المبادرة إلى تفنيدها، والرد عليها وبيان ما تنطوي عليه من أخطار، قد تداهم الممارسة الديمقراطية، حتى لو كانت ترفع شعارات تتحدث عن الخطر على الوطن أو الديانة أو المستقبل.

المطلوب إذن هو التنبّه إلى مخاطر المستقبل من خلال تحليل معطيات الحاضر واستقاء العبرة من تجارب الماضي وقد كانت تجارب مريرة في كل حال.

ابتكارات لزيادة إنتاج الغذاء بدون استنزاف للتربة

 

عندما تتناول قطعة من الطعام، هل تفكر من أين أتت؟ وكيف وصلت من التربة إلى مائدتك؟ ومن هم المزارعون والمستثمرون الذين زرعوها ووزعوها؟ من الغريب ألا يخطر هذا على بالنا في كثير من الأحيان.
هذه القضية ينبغي أن نفكر فيها أكثر وأكثر. ومع استمرار النمو السكاني، هناك حاجة إلى ابتكارات جديدة لزيادة الإنتاج المستدام للغذاء بدون استنزاف للتربة. ومع وجود حقائق كتغير المناخ الذي يؤثر في إمدادات المياه والأمن، لم يعد سير الأمور بالنمط المعتاد كافيا.
لهذا السبب، جمع معرض الابتكارات: “ابتكر من أجل الري” الذي أقيم ضمن منتدى المياه من أجل الغذاء الذي عقد في 29 كانون الثاني (يناير) 2018، 19 منظمة تتصدر جهود مواجهة هذا التحدي من خلال التكنولوجيات المبتكرة التي تدعم ممارسات الري التي ينتهجها المزارعون.
في كلمتها الافتتاحية، أشادت لورا توك، نائب رئيس البنك الدولي للتنمية المستدامة، بالتركيز على “إبراز التكنولوجيات التي تحسن وتكثف الري الذي يتولاه المزارعون وتوسع نطاقه، لكنها أيضا تساعد حقيقة في التصدي للخطر الذي تشكله على ديمومة الموارد”.
وفيما يلي بعض الابتكارات التي قدمها عدد من أكثر المنظمات إبداعا في مجال الري:

“كيكستارت إنترناشيونال”
تهدف “كيكستارت إنترناشيونال” إلى تلبية احتياجات صغار المزارعين في إفريقيا ببيع منتجاتها من خلال سلاسل التوريد المحلية المملوكة للقطاع الخاص.
توضح جينا روجرز رافرتي، مدير التطوير والتحالفات الاستراتيجية، ذلك قائلة، “نحن نصمم ونسوق ونروج تكنولوجيات الري محدودة النطاق التي تتسم بالكفاءة والاستدامة وانخفاض التكلفة وارتفاع الجودة”.
وبإدراجها لآراء المزارعين، تعمل المنظمة حاليا على تطوير وتحسين تقنيات ضخ المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية، مركزة على طول مدة صلاحيتها وكفاءتها.
ووفقا لروجرز رافرتي، عملت “كيكستارت” أيضا مع فريق سينمائي من أجل إنتاج فيلم وثائقي قصير بعنوان “حبة ذرة”، يصور مدى صعوبة اتخاذ القرار على المزارعين حينما يفكرون في الاستثمار في شيء كالري. هذا الفيلم يستخدم كي يطلع كل من المزارعين وشركائهم على جميع الاعتبارات التي تتسق مع تبني ممارسات جديدة للري.

“آبستريم”
تستخدم “آبستريم” الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية مع معدات التعليم للرصد والقياس من الفضاء. ماذا يعنيه ذلك بالنسبة للري والزراعة؟ بالحصول على البيانات من مصادر شتى، فإن البرنامج يقدم في الأساس نافذة واحدة للبحث عن الآراء في مناطق معينة من الأراضي. على سبيل المثال، هل تروى الأرض؟ وما التقنيات المستخدمة في ذلك؟
تأمل “آبستريم” من وراء تقديم المعلومات بهذه الطريقة في المساعدة في عملية اتخاذ القرار: قال مارشال موتينو، الشريك المؤسس، “نحاول أن نجعل استخدامها سهلا بقدر الإمكان من خلال تبني نظم العمليات الجغرافية التي تتطلب درجة علمية، وتبسيطها بحيث يتعلمها أي ممارس أو مطور. إضافة إلى الرصد، يتيح البرنامج للمستخدمين تحديد أشياء البحث عنها، مثل حقول الأرز في كاليفورنيا، أو أين يمكن العثور في أي شبكة للري على مجال لتوليد الطاقة الكهرومائية”. وأضاف موتينو، “لا حدود لطموحاتنا. إذا وجدت الأقمار الصناعية، فيمكننا أن نحصل على أكبر قدر من التفاصيل التي تسمح لنا بها”.

“أكلايما”
تركز “أكلايما”، التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والفعالية في الزراعة، على الاستخدام الدقيق لمياه الري. في معرض الابتكارات، كانوا يعرضون جهازين لرصد الوصلات، يقومان بهذا بالضبط. في معرض الابتكار، كانوا يعرضون جهازين لقياس انعكاس الحقل الزمني TDR، اللذين يفعلان هذا بالضبط. بينما تجمع رهط من المشاركين في المؤتمر لاختبار مجسات جهاز قياس انعكاس الحقل الزمني، أوضح كينجسلي هورتون، المدير العام لـ”أكلايما”، أن هذا هو المجس الوحيد في السوق القادر على الرصد الدقيق لمكنون المياه في الأرض على الرغم من ملوحة التربة في الظروف الطبيعية للنمو. وقال، “إن مجسات الجهاز ترصد بدقة أيضا قابلية توصيل التربة للكهرباء ودرجة حرارتها، ومن ثم تسهل تسميدها بفعالية أكبر”.
ولأن الملوحة يمكن أن تؤثر في القياسات، فإن هذا المجس يتيح للمزارعين الحصول على قراءة دقيقة للحد من الفاقد في المياه وتقليص تكاليف الضخ، والتآكل، في الوقت الذي يزيد فيه غلة المحصول وتغذية النبات بالعناصر الغذائية.
إذن، ماذا على جدول الأعمال؟ من أجل مواصلة تخفيض الأسعار وإتاحة هذه المنتجات لصغار المزارعين، فإن “أكلايما” تنشد التعاون مع الشركاء الرئيسين في هذا المجال.

“دايناماكس”
تقوم “دايناماكس” بقياس مستويات الرطوبة، ولكن هذه المرة في النباتات. يقول إريك بينا، مدير تطوير الأعمال لدى “دايناماكس”، “نستطيع وضع مجسات على النبات تبين لنا بالضبط كمية المياه التي تتدفق في اليوم الواحد. ومن ثم نستطيع أن نحدد بدقة كمية المياه التي يحتاجها النبات”.
ثم تخزن البيانات في نظام يستند إلى تطبيق السحابة cloud حتى يمكن قراءتها ومقارنتها بجميع النباتات التي تم عمل مسح لها. وأردف بينا قائلا، “المستوى التالي هو الأهم على الإطلاق. فإذا زودت كل نبات بالكمية التي يحتاج إليها بالضبط من المياه بفعالية، فإن هذا في الواقع يزيد المحصول”.
في كلمته في معرض الابتكار، تحدث جيف فورتنبيري، العضو الجمهوري في الكونجرس الأمريكي عن ولاية نبراسكا، بنبرة قوية عن “فكرة تجديد النشاط الاقتصادي، لا سيما استغلال أراضينا ـ ولذا فإننا نحصد منها، ونتركها في حالة مستدامة لمن سيأتون بعدنا”.