كانت الصين، لعدة قرون، واثقة من دورها باعتبارها القوة الثقافية والاقتصادية والسياسية الأكبر بلا منازع في آسيا. اليوم، مع عودة الصين مرة أخرى كلاعب بارز على الساحة العالمية، تواجه البلدان في جميع أنحاء القارة مستقبلاً غامضاً. يعالج هذا الكتاب أسئلة مثل: هل نهضة الصين تهدّد جيرانها؟ وما هو هدفها النهائي وحدود طموحاتها؟ وهل يمكن للعالم أن يضع ثقته بالصين؟
أي أسئلة عن الصين تكون أكثر إلحاحاً في منطقة المحيط الهادئ بالدرجة الأولى، حيث يجد جيرانها البحريون أنفسهم مباشرة على طريق مطالبات صينية إقليمية توسعية. في هذا العمل التاريخي الغني، يجد مايكل تاي إجابات على هذه الأسئلة وغيرها من خلال استكشاف متعمق لماضي الصين.
على امتداد آلاف السنين من التاريخ الصيني والآسيوي، تنظر الصين وجيرانها إلى علاقات الصين المتطورة مع اليابان وفيتنام
والفلبين وماليزيا. في الوقت الذي استقطبت فيه النزاعات في المحيط الهادئ اهتماماً واسع النطاق، فإن القليل من التحقيقات نظرت في السياق التاريخي الأوسع لهذه التوترات.
يأتي الكتاب في ثمانية أقسام هي: 1) مقدمة: هل يمكن للعالم أن يثق في الصين؟ 2) الصين واليابان. 3) مملكة ريوكيو. 4) فيتنام. 5) الفلبين. 6) ماليزيا. 7) النزاعات الإقليمية. 8) الصين والنظام العالمي.
وهو صادر عن دار «زيد بوكس» البريطانية باللغة الإنجليزية ضمن 216 صفحة من القطع المتوسط في أكتوبر 2019.
عودة الصين
أثارت عودة الصين كاقتصاد رائد جدلاً حاداً حول دورها في العالم. هناك بعض المخاوف والقلق في بعض الأوساط حول نهوضها وما يمكن أن يعنيه ذلك للنظام الدولي. هل الصين صاحبة مصلحة تتمتع بروح المسؤولية؟ هل ستعزز السلام والازدهار أم تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الآخرين؟ هل هي دولة عملاقة خيّرة أو مثيرة للشغب؟ تواجه الإنسانية خطر الأزمة المالية والاحتباس الحراري والحرب الكارثية التي لا يمكن مواجهتها إلا من خلال التعاون الدولي.
يتطلب التعاون الثقة، ولكن بأي شروط يمكن الوثوق بالصين؟
يقول المؤلف: «يعد تاريخ العلاقات الثنائية عاملاً مهماً للثقة بين الدول. التاريخ هو الذاكرة. إنه سجل للأحداث والسلوك السابق، فضلاً عن أن العلاقات التعاونية السابقة تبني الثقة، بينما يدمرها تاريخ من العدوان والخيانة. التعاطف عامل مهم بنفس القدر. إنها القدرة على وضع الذات في قوالب الآخرين لرؤية الأشياء من منظورهم. على الأرجح أن نثق في أولئك الذين يظهرون أنهم يفهموننا خاصة عندما يتضح ذلك من خلال الأفعال. يمتلك التعاطف القدرة على بناء الثقة حتى لو لم يكن هناك شيء، ولكنه يتطلب فهم تاريخ وثقافة الآخر».
ويضيف: «لكن الآراء الحالية حول الصين تتأثر بالتحيزات الثقافية والأيديولوجية المتجذرة بعمق. صاغ عالم الاجتماع الفرنسي-الروسي جاك نوفيكوف في القرن التاسع عشر مصطلح»الخطر الأصفر» ليجسد التصور النفسي والثقافي للتهديد القادم من الشرق. لقد عبّرت هذه الجملة عن خوف غامض وكبير من حشود كبيرة من الأشخاص الصفر في وجه العالم الغربي، واستحضرها القيصر فيلهلم الثاني من ألمانيا لحث الإمبراطوريات الأوروبية على غزو الصين وقهرها واستعمارها. كيف نفهم أنفسنا والعالم الذي يهمنا وفق حدسنا الذي يشكل مخاوفنا وانطباعاتنا وعلاقاتنا؟»
كما يشير إلى أنه «في كتابه الصادر في الستينات من القرن الماضي، اعترف عالم الجينات ريمون داوسون بأن الصين، بالنسبة للكثيرين في الغرب، ترتبط بشكل أساسي بأمور مثل أسلاك التوصيل المصنوعة، والعينين المائلتين، والفوانيس، والمغاسل، واللغة الإنجليزية الركيكة، وعيدان الطهي، وغيرها. على الرغم من أن المفاهيم الغريبة للحضارة الغريبة تم تحديثها منذ ذلك الحين عبر التجارة المتنامية والسفر، إلا أن العديد من الصور النمطية العنصرية والسياسية ما زالت قائمة. حذر جون ك. فيربانك في وقت سابق من أن المجتمع الصيني مختلف تماماً عن المجتمع الأمريكي، وأن صناع السياسة الأمريكيين سيفشلون ما لم يأخذوا الفرق في الاعتبار».
سوء التقدير السياسي
يتناول الكاتب في عمله سوء التقدير أو الفهم الذي يحصل أثناء الحروب أو المعارك السياسية مع الخصوم، ويقول في هذا السياق: «ما أخطأنا فيه كان سوء الفهم الأساسي أو سوء التقييم للتهديد على أمننا القومي المتمثل في الفيتناميين الشماليين. فقد قاد الرئيس آيزنهاور في عام 1954 ليقول إنه لو خسر فيتنام، أو إذا خسر لاوس وفيتنام، فسوف تسقط أحجار الدومينو.
أنا متأكد من أننا بالغنا في التهديد. لم نعرف معارضتنا. لم نفهم الصينيين. لم نفهم الفيتناميين، خاصة الفيتناميين الشماليين. لذلك فإن الدرس الأول هو معرفة خصومك. أريد أن أوضّح أننا لا نعرف خصومنا المحتملين اليوم».
يجد المؤلف أنه من الخطأ صياغة وتكوين آراء حول أمة دون الرجوع إلى تاريخها، وسيكون من الخطأ الجسيم دراسة الصين في فراغ تاريخي مع النظر إلى جمهورية الصين الشعبية في شكلها الراهن فقط.
ويعلق على ذلك: «الزعماء الصينيون متناغمون بشدة مع تاريخ بلادهم الطويل الذي لا يزال يؤثر في تشكيل تفكيرهم بطريقة قوية، في حين أن صانعي السياسة الغربيين ما زالوا يركزون بشكل ضيق على الصين المعاصرة مع إشارة البعض إليها باسم «الصين الشيوعية».
ويرى أنه «على الرغم من أن البلاد يحكمها الحزب الشيوعي، إلا أن أركان الشيوعية مثل ملكية الدولة لجميع الممتلكات، والاقتصاد المخطط مركزياً واحتكار السلطة السياسية من قبل الطبقة العاملة، قد أفسحت المجال طويلاً أمام الملكية الخاصة واقتصاد السوق والتمثيل السياسي الشامل، والآن يمثل الحزب مصلحة كل طبقة اجتماعية ويحسب أقطاب المال بين أعضائه. لم تكن الماركسية واللينينية غاية في حد ذاتها بل كانتا وسيلة لتحقيق الأهداف الأساسية لقادة الصين، وهي التحرر من الإمبريالية الأجنبية وتوحيد الأمة وخلق قوة سياسية فعالة وإقامة الاستقرار وبناء الرخاء والهيبة».
«من وجهة نظر بكين، هناك طرق أفضل لتحقيق الرفاه من خلال تبني سياسات غربية تسببت في الكثير من الضيق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء العالم. إن آسيا تمر بتغيير جذري، لكن لا يوجد نموذج مفاهيمي واحد يكفي لوصف النظام الآسيوي المتطور»، بحسب المؤلف.
ويقول: «يتزايد الترابط والتعاون بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية مع الصين بشكل متزايد في قلب هذا التطور، لكن لا توجد نظرية واقعية أو ليبرالية للعلاقات الدولية قادرة على التقاط تعقيدات المنطقة. بدلاً من ذلك، فإن فهماً أقوى لتاريخ المنطقة ضروري لإدراك هذا التحول».
خارج الدوائر الضيقة
غرض المؤلف من هذا الكتاب هو إلقاء الضوء على الثقافة السياسية والسياسة الخارجية للدولة الصينية من خلال دراسة تاريخ علاقاتها مع جيرانها. «مثلما نحكم على شخص من خلال أفعاله، كذلك يمكننا أن نفهم دولة من خلال تاريخها.
يرجع تاريخ علاقات الصين مع جيرانها البحريين إلى أكثر من ألفي عام، وهذا التاريخ يوفر مواد غنية تساعد على فهمها ومكانتها في العالم»، بحسب الكاتب.
ويجد أنه «خارج نطاق الدوائر المتخصصة الضيقة، مع ذلك، فإن تاريخ المنطقة غير معروف على نطاق واسع، حتى بين الآسيويين الشرقيين. يركز منهج المدارس الثانوية في كل بلد على تاريخه ولا يخصص سوى مساحة ضئيلة للتاريخ والجغرافيا الإقليمية. يتشكل الرأي العام من خلال التقارير الإخبارية التي تنقل وجهة نظر مجتزأة وغالباً ما تكون منحرفة. أي شخص أقل من 40 عاماً اليوم هو من مواليد ما بعد حرب فيتنام، ومن بين أولئك الذين يتذكرون الصراع. هؤلاء لا يعرفون سوى القليل عن سبب تدخل أمريكا أو ما كان يفعله الفرنسيون في الهند الصينية قبل ذلك».
يطرح الكتاب عدداً من الأسئلة منها: «كيف كانت علاقات الصين مع فيتنام في ذلك الوقت، وكيف كان رد الصينيين على التعدي الفرنسي هناك؟ لماذا غزت اليابان الصين في ثلاثينات القرن الماضي رغم أنها نظرت إلى هذه الأخيرة لعدة قرون باعتبارها ينبوع الحضارة؟ متى ولماذا هاجر الصينيون إلى جنوب شرق آسيا، وماذا واجهوا هناك؟ كيف استقبلهم السكان المحليون وحكامهم المستعمرون، وما هو الدور الذي تلعبه مجتمعات المهاجرين الصينيين اليوم في علاقات الصين مع دول جنوب شرق آسيا؟ وما هو تاريخ المطالب الإقليمية في بحر الصين الشرقي وشرق الصين؟»
ويشير إلى أن مسألة نهوض الصين جذبت الكثير من الاهتمام منذ إصلاحات عام 1978، وأصبحت بارزة بشكل خاص في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. تنقل الخطابات الناتجة العديد من الرسائل المتضاربة حول الصين وطموحاتها.
العلاقة مع الخارج
يلقي هذا العمل نظرة جديدة على تطور التفكير الدبلوماسي والاستراتيجي الإقليمي للصين من خلال استخدام دراسات الحالة المتعلقة بالتاريخ البحري. يبدأ الكتاب باليابان ومملكة ريوكيو قبل الانتقال إلى فيتنام والفلبين وماليزيا. ونورد بعضاً مما يقوله المؤلف في القسم الثاني: «جاء المبعوثون اليابانيون بشكل متقطع. بعد أول مهمة في عام 57 ميلادي، لم يأت بعد ذلك مبعوثون لمدة خمسين سنة. بين القرنين الأول والتاسع، كانت هناك فترات نشطة وكذلك فترات سبات طويلة. لم يأت أي زائر خلال القرنين الثاني والثالث، ولكن كانت هناك أربع بعثات (238 و243 و245 و247) خلال فترة تسع سنوات.
توحي هذه الوتيرة المتقلبة من الزيارات أن اليابانيين وضعوا أجندتهم الخاصة. في القرن السابع، حدث تحول مهم؛ جاء خمسة سفراء يابانيين من عام 600 إلى 614، ولكن لم يطلب أي منهم ألقاباً صينية. فقدت الأوسمة – التي كانت تطمح إليها ذات مرة – قيمتها بعد أن حققت اليابان الوحدة السياسية، ولم تعد تتطلع إلى المؤسسات الصينية لإضفاء الشرعية. غالباً ما تسير المصالح المادية والثقافية في خط واحد، وخلال فترة حكم سلالتي سوي وتانغ، استخدم الدبلوماسيون اليابانيون مكاتبهم لشراء الأدوات الثمينة أثناء دراسة الثقافة والمؤسسات الصينية».
«بعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً من أول مهمة (630) إلى بلاط تانغ، جاء سبعة مبعوثين من 653 إلى 701 للميلاد، وهي فترة مرت فيها العائلة الإمبراطورية اليابانية بستة أباطرة وإمبراطورة. في القرن الثامن، بلغ متوسط البعثات واحداً كل عشر سنوات، وفي القرن التاسع، واحداً كل ثلاثين عاماً.
يعكس هذا التذبذب في الزيارات احتياجات اليابان وسيادتها ضمن نظام الجزية. وبالإضافة إلى الألقاب والسلع، سعى اليابانيون إلى الموهبة والتعلم والحرفية. في عام 284، سافر كبار المسؤولين إلى بيكجي (في كوريا)، تابعة للصين، لتوظيف الباحث وانغ رن لتعليم ولي عهدهم».
«بعث بيكجي بعلماء الكونفوشيوسية والمتخصصين في الطب، والعرافة، وعلم الفلك، والعلوم والموسيقى التقويمية لخدمة بلاط وا. قام سفراء وا بتوظيف الخياطات، النساجين، الدباغين والأطباء، في حين جاء الحدادون، الخزافون، النساجون، الرسامون، المترجمون الشفويون، مهندسو الري، مهندسو الأرصاد الجوية والنجارون من صفوف اللاجئين».
تأتي الفصول اللاحقة في هذا الكتاب أيضاً في هذا السياق التاريخي، مع التركيز على العلاقة الأمريكية الصينية، وكيفية فهم الصعود الصيني، وما يمكن أن يعني ذلك للعالم، وللدور الأمريكي فيه.
نبذة عن المؤلف
* مايكل تاي محاضر وباحث في مركز دراسات التنمية، كلية سانت إدموند، (كامبريدج). عمل سابقاً في الاستشارات وكذلك تدريس التمويل في الصين وقيرغيزستان وروسيا. كما أنه خبير في العلاقات الدولية للصين، وهو مساهم دائم في «ذا دبلومات»، وله عدد من المؤلفات من بينها: «العلاقات الأمريكية الصينية في القرن الحادي والعشرين» (2015).