قبل سنوات كانت محض خيال: روبوتات تقضي على الأعشاب الضارة

في إحدى زوايا حقل بولاية أوهايو، كان الربوت المسلح بالليزر يخترق بحرًا من البصل ويدمر في طريقة كل الأعشاب الضارة، هذا الحقل لا ينتمي للمستقبل البائس، لكنه ملك شاي مايرز مزارع من الجيل الثالث ينشر مقاطع مشهورة على “تيك توك” عن حياة الزراعة.

بدأ مايرز في استخدام روبوتين العام الماضي لإزالة الأعشاب الضارة عن محاصليه التي تقع في مساحة 12 هكتارًا (30 فدانًا)، يبلغ طول الروبوتات نحو 3 أمتار وتزن 4300 كيلوغرام وتشبه سيارة صغيرة، هذه الروبوتات تتوغل عبر الحقل وتبحث داخله عن الأعشاب الضارة ثم تستهدفها بطلقات الليزر.

يقول مايزر: “خلال ميكروثانية تشاهد تلك الطلقات حمراء اللون، يمكنك أن ترى الأعشاب عندما تضيء بسبب ضربات الليزر ثم تختفي في الحال”، بينما تقول شركة “Carbon Robotics” المصنعة لتلك الروبوتات: “قبل 10 سنوات كان الأمر خيالًا علميًا، لكن على عكس أصوات المحركات، هذه الروبوتات صامتة ويمكنها أن تدمر 100 ألف عشبة ضارة في الساعة”.

تؤكد الشركة – كبقية شركات الروبوتات الزراعية الناشئة – على الفوائد البيئية التي يمكن أن تجلبها هذه الآلات للزراعة بالمساعدة في الحد من تدمير التربة الذي قد يسبب تآكلها، وتسمح للمزارعين بالحد من أو التوقف تمامًا عن استخدام مبيدات الأعشاب.

يقع المزارعون تحت ضغط متزايد للحد من استخدام مبيدات الأعشاب وغيرها من الكيماويات التي تلوث المياه والتربة وتؤثر على الحياة البرية والنباتات غير المستهدفة وترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، في الوقت نفسه؛ فهم يحاربون زيادة الأعشاب المقاومة للمبيدات، ما يدفعهم للبحث عن طرق جديدة لقتل الأعشاب.

يقول غاوثام داس محاضر في الروبوتات الزراعية بجامعة لينكولن: “الحد من استخدام مبيدات الأعشاب أحد النتائج المذهلة للإزالة الدقيقة للأعشاب”، فتدمير الأعشاب باستخدام الليزر أو الأشعة فوق البنفسجية لا يتضمن أي كيماويات على الإطلاق، لكن حتى الروبوتات التي تستخدم المبيدات فإن قدرتها على استهداف الأعشاب بدقة يحد من استخدامها بنسبة 90% مقارنة بالرش التقليدي.

قبل 5 سنوات لم يكن هناك أي شركات متخصصة في الروبوتات الزراعية، وفقًا لما يقوله سباستيان بوير رئيس شركة “FarmWise” للروبوتات القاتلة للأعشاب ومقرها سان فرانسيسكو، لكنه أصبح مجالًا واعدًا.

من المتوقع أن تزداد السوق العالمية لتلك الروبوتات الزراعية – التي يمكن تصميمها لتؤدي مهام أخرى مثل وضع البذور والحصاد والمراقبة البيئية – من 5.4 مليار دولار في 2020 إلى أكثر من 20 مليار دولار بحلول 2026، يقول مايرز: “الأمور تتصاعد بشكل سريع للغاية في الزراعة”.

تقول إليزابيث سكلار أستاذ الهندسة بكينجز كولدج في لندن: “إنهم لا يحافظون فقط على المزراع الواسعة، فحتى المزارع الصغيرة يمكنها أن تصبح أكثر مرونة وقابلية لتجربة طرق جديدة”.

وجدت شركة “FarmWise” أول عملائها في وادي ساليناز في كاليفورنيا، الذي يقوم بزراعة الخس والبروكلي والقرنبيط والفراولة ويشتهر باسم “وعاء السلطة الأمريكي”، الآن يستخدم 10 من بين أكبر 20 زارعًا للخضراوات في كاليفورنيا وأريزونا الروبتات القاتلة للأعشاب.

يقول بوير: “في البداية بدأوا العمل معنا كتجربة فقط، والآن يعتمدون علينا بشكل كبير”، الخطوة القادمة لشركة “FarmWise” هي التخلص من الآفات مثل حشرة المن وقمل الذرة واللغاس، ويضيف بوير أن الروبوتات بإمكانها الحد من استخدام مبيدات الفطريات ومبيدات الآفات بتطبيقها بدقة من خلال استخدام رؤية حاسوبية.

بالإضافة إلى القلق بشأن الكيماويات الزراعية، فإن نقص العمالة يلعب دورًا في تقدم الروبوتات بالأراضي الزراعية، فالعمالة الزراعية مكلفة ومن الصعب العثور عليها وخطيرة بالنسبة للأشخاص العاملين فيها، يقول مايرز في أحد مقاطع الفيديو على تيك توك إنه لم يتمكن من توظيف عمال لحصاد محصول الهيليون لأن الحكومة لم تمنحه التأشيرات في الوقت المناسب.

لكن ما زال هناك تحديات لتطبيق ذلك على نطاق واسع، فإحدى المشكلات هي العمل في أماكن لا يتوافر فيها إعادة شحن البطاريات بسهولة، ولهذا السبب تستخدم بعض الروبوتات – من بينها تلك التي تصنعها “Carbon Robotics” و”FarmWise” – الديزل للحصول على الطاقة الذي يطلق انبعاثات ضارة ويسبب التلوث.

يقول ديفيد روس أستاذ الابتكار الزراعي بجامعة ريدنج بالمملكة المتحدة: “ستكون روبوتات الزراعة المستقبلية مختلفة عن الآلات التي صنعناها في الماضي، فلسنا بحاجة لآلات ضخمة تعمل بالوقود الأحفوري، إننا بحاجة إلى آلات أصغر وتعمل بالطاقة المتجددة”.

تعمل بعض الروبوتات بالفعل بالطاقة المتجددة، فقد صنعت شركة “Small Robot” في المملكة المتحدة روبوتًا يشبه شكل العنكبوت لقتل الأعشاب ويعمل ببطاريات تسلا، أما ماكينات شركة “FarmDroid” الدنماركية وروبوتات رش المبيدات التي تصنعها شركة “Ecorobotix” السويسرية فتعمل بالطاقة الشمسية.

وبينما أصبحت البطاريات أكثر خفة وازدادت قدرتها، فإن روبوتات المزارع قد تصبح كهربائية قريبًا، يجب أن يصاحب ذلك بنية تحتية لشحنها في المزارع، يقول روس: “أعتقد أننا لسنا بعيدين عن ذلك”.

في الوقت نفسه، فاستخدام مبيدات أعشاب أقل يستحق استخدام بعض الديزل، يقول ريتشارد سميث مستشار مزرعة علم الأعشاب بجامعة كاليفورنيا في دافيس: “مقارنة بكل أعمال الجرارات الأخرى التي تتم في حقول إنتاج الخضراوات الكثيفة، فإن الكمية المستخدمة لقاتل الأعشاب الآلي صغيرة للغاية”.

هناك تحد آخر يتمثل في التكلفة، فهذه الروبوتات لا تزال باهظة الثمن رغم أن تبنيها على نطاق واسع سيجعل تكلفتها منخفضة، يكلف روبوت شركة “Carbon Robotics” نفس سعر جرار متوسط الحجم – نحو مئات آلاف الدولارات – رغم أن الشركة قالت إنها تبحث في إمكانيات التأجير.

أما شركة “FarmWise” فتبيع أعمال إزالة الأعشاب الضارة بالروبوتات بدلًا من بيع الروبوتات نفسها بتكلفة 200 دولار للفدان، يتطلب بيع خدمات إزالة الأعشاب استثمارًا مقدمًا أقل من المزارعين ويساعد على نشر تجارة الروبوتات على أرض الواقع، وفقًا لبوير.

يقول داس: “نماذج الخدمات تلك من شأنها أن تحد عائق التكلفة أمام معظم المزارعين، ولن يكونوا بحاجة للقلق بشأن الصعوبات التقنية المتعلقة بتلك الروبوتات”، كانت جائحة كورونا مشكلة أيضًا فقد أعاقت الوصول إلى العملاء والمستثمرين والوسطاء من آسيا، يقول أندرا كي رئيس شركة “Silicon Valley Robotics” غير الربحية: “لقد ضغطت الجائحة بشدة على الشركات الناشئة وأبعدتها عن الطريق”.

لكن بعيدًا عن روبوتات قتل الأعشاب، فقد أثار كوفيد-19 الاهتمام بكيفية مساهمة الروبوتات في تقصير سلاسل التوريد، فالصوبات الزراعية التي تديرها الروبوتات يمكنها أن تستخدم الزراعة المائية – زراعة النباتات دون تربة – لإنتاج الغذاء بالقرب من المراكز السكانية الكبيرة مثل نيويورك بدلًا من أماكن مثل كاليفورنيا الغنية بالتربة.

ابتكرت شركة “Iron Ox” للصوبات الزراعية – الدفيئة – التي تعمل بالروبوت في كاليفورنيا ذراع روبوتية تفحص كل نبات في الصوبة وتصنع له نموذجًا ثلاثي الأبعاد لمراقبته من أجل الأمراض والآفات، تقوم الشركة بتشغيل صوبتين تعملان بالروبوت وتبيع منتجاتهما للمحلات في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وتضع حجر الأساس لصوبة زراعية ثالثة في تكساس.

يقول براندون ألكسندر رئيس الشركة الذي نشأ في عائلة زراعية كبيرة في تكساس: “لم يتغير الكثير في الزراعة خاصة في الإنتاج الطازج خلال الـ70 عامًا الأخيرة، لكن الزراعة الروبوتية توفر فرصة للبشرية لمعالجة تغير المناخ قبل عام 2050”.

المصدر: الغارديان

كيف تساعدنا طفولتنا على فهم مشاكل العمل

يشعر الأشخاص الذين يقومون بزيارة عيادتي من أجل علاج مشاكل العمل بالقلق من السلوك الذي يعرفون أنه يضر بحياتهم المهنية أو أعمالهم التجارية، لكنهم غير قادرين على التعامل معه.

عندما تفشل نصيحة المدربين أو الزملاء المقدمة بحسن نية في تقديم مساعدة، فإن البحث بعمق أكبر لفهم دوافعنا الأساسية يمكن أن يكون الحلّ الأكثر فعالية. منذ النتائج التي توصل إليها سيغموند فرويد، أدرك المعالجون النفسيون أن تجارب الطفولة المبكرة الخاصة بنا لها تأثير كبير على تصوراتنا وسماتنا الشخصية، والتي تؤثر على حياتنا المهنية في المستقبل.

 

 

يمكن فهم الدوافع مثل الكمالية وإدمان العمل وسلوكيات التحكم وحتى إرضاء الناس، والعادات التي يمكن أن تقوض وظائفنا، بشكل أفضل من خلال فحص ماضينا. تكمن علاقاتنا المبكرة في أعماق أذهاننا وبوعي أو عن غير وعي، ننشئ نموذجًا لكيفية ارتباطنا بالآخرين واستجابتنا للنزاع والتعامل مع السلطة. تحدد هذه العلاقات، بدءًا من تلك التي تربطنا بوالدينا أو مقدمي الرعاية، مسار نظرتنا لجميع العلاقات اللاحقة، لاسيما تلك التي نربطها بمكان العمل.

على سبيل المثال، في حال تلقينا من آبائنا خلال فترة نشأتنا الرعاية والاهتمام  اللازمين، فمن المرجح أن نعتقد أن رموز السلطة ستعاملنا لاحقًا بالطريقة ذاتها.  في المقابل، إذا لم يقع الاهتمام بنا أو تعرضنا للأذى بأي شكل من الأشكال، فمن المحتمل أن نتوقع أن الأشخاص الآخرين الذين نعتمد عليهم سيخذلوننا أو حتى سيكونون أعدائنا.

بينما قد نعترف على مضض بأن سلوكنا غير المنطقي في حياتنا الشخصية هو بمثابة ردّ فعل على التجارب العائلية المبكرة، إلا أننا نادرًا ما نعتقد أن مشاكل العمل ناجمة تلك التجارب ذاتها. في العمل نحن مقتنعون عمومًا بأن الآخرين هم سبب المشاكل والتهديدات التي نواجهها على غرار الزملاء المخادعين أو الرؤساء المتنمرين أو العملاء الذين تتزايد طلباتهم بشكل مستمر.

في المقابل، يكمن الخطر في أننا قد نسيء تفسير الأمور ونبالغ في تقدير التهديدات الخارجية (من الرؤساء أو العملاء أو الزملاء أو حتى التابعين) ونقلل من شأن التهديدات الداخلية (من النزاعات السابقة التي لم يقع حلها). من المحتمل  أن هذا الاضطراب يعني أننا قيمنا الوضع بشكل خاطئ. على سبيل المثال، قد نعتقد بأن تدخلات مديرنا في عملنا توضح أنه يخطط لطردنا بدلاً من محاولة مساعدتنا.

 تقييم المواقف بشكل خاطئ

كاد رجل يبلغ من العمر 48 عامًا في مجال الإعلانات أن يتعرض لانهيار عصبي لأنه شعر بأنه ضحية استغلال سلسلة من المديرات. كان يعتقد دائمًا أنه على وشك التعرض للإقالة أو الانتقاد، وبالتالي أصبح يعمل بضمير حي بشكل شديد ويحاول أن يكون موظفا مثاليا في عمله.

في هذا السياق، وصف هذا الموظف رئيسته الأولى: “كانت تفاجئني بأفكارها الغريبة وتتركني بعد ذلك للتعامل معها. كنا نجري هذه المحادثات الطويلة التي شعرت أنها حميمة للغاية.  لكني أردتها أن تتوقف عن تقديم هذه الأفكار الغبية التي لن تنجح. وكنت أشعر أنها تشبه والدتي التي تحاول إقناعي بفكرة واهية”.

خلال فترة شبابه، كانت أسئلة والدته المتطفّلة والمتواصلة عن تفاصيل حياته تشعره بالاختناق. ويقول الموظف ذاته: “خلال فترة المراهقة، كنت بائسا وكنت أرغب أن تكف أمي عن طرح أسئلتها المتواصلة، حيث كانت تريد أن تتعرف على أقرب أصدقائي وأولئك الذين يمكن أن أكشف لهم أسراري وقد كانت دائمًا تريد سحب المزيد من المعلومات مني”.

علاوة على ذلك، كان لرفضه الإجابة عن أسئلتها عواقب شديدة. في هذا السياق، أوضح الموظف ذاته: “كنت أخشى دائمًا أن تغضب أمي وتشعر بالحزن إذا تجاهلتها”. بمجرد أن بدأ حياته المهنية انتقل هذا الاضطراب وانعدام الثقة بالنساء إلى مديراته. وبالتالي، كان يميل إلى إساءة قراءة نواياهن على أنها خبيثة بدلا من أن تكون مساندة له.

من بين أكثر الأمور إثارة للسخرية، أنه بدلاً من تجنب توجيه النقد لهنّ، كان يشجّعهن على هذا السلوك دون دراية بذلك. فعلى سبيل المثال قال إنه ذات مرة اقترحت عليه إحدى المديرات فكرة غريبة وما استنتجه أنّ “ذلك كان غبيًا ويبعث على السخرية. للوهلة الأولى صدمت ثمّ تجاهلت الأمر. وكانت النتيجة النهائية أنّ ما قمت به قد أثار انزعاجها. أدركت لاحقًا أن الفكرة كانت جيدة ولكن حينها اعتقدت أنها تفعل ذلك لتورّطني في الأمر وتجعلني أبدو شخصًا سيّئا أمام الجميع”.

طالما أن مثل هذه التهديدات الداخلية تكمن داخل اللاوعي فإن ذلك يعني أن نطاق سيطرتنا على ردود أفعالنا ضئيل إن لم يكن منعدمًا. لكن إدراج مثل هذه الأحداث في الإدراك الواعي يمنحنا الوضوح الكافي للاستجابة بشكل مناسب بدلاً من ردود الفعل اللاعقلانية.

 

 

حصلت حادثة أخرى في الماضي يمكن استحضارها في الوقت الحاضر تخصّ رئيسا تنفيذيًا لشركة استشارية تمت ترقيته مؤخرًا. كان خوفه من إهانة الناس يعني أنه غير قادر على مواجهة عملائه بالحقائق القاسية التي كانوا يدفعون له مقابل سماعها. وبدلاً من ذلك، كان في كل مرة يجعلهم يشعرون بالرضا وبذلك لم يكن يهدم مسيرته المهنية فحسب، بل كانت الشركة معرضة لخطر فقدان عملائها أيضًا.

من خلال مناقشاتنا، اكتشفت أن أول شخص ضايقه بجدية كان والدته. في البداية، كان “طفلها الغالي” ولكن عندما تعرض للتنمر في المدرسة فقد بريقه وروح الدعابة. اضطرت والدته إلى التنحي جانبا بعد أن فهمت بشكل خاطئ أنّ مزاجه العكر فيه انتقاد لها وليس طلبًا للمساعدة، وهذا ما جعله يشعر بالاكتئاب والوحدة.

اكتشف في سن المراهقة أنه من خلال إرضاء الآخرين يمكنه الهروب من الشعور بالوحدة. ثم قام لاحقًا بتطبيق نفس المنهج في حياته المهنية لحماية نفسه من تهديدات الرفض المتخيّلة. خلّف ذلك عواقب – بات يدركها الآن – وهي أنّ “[إرضاء الناس] مثبط للهمم لأن القرارات التي تتخذها قائمة على العديد من الاعتبارات حول ما يشعر به الشخص الآخر تجاهك وكيفية تفاعلك معه، وكيف يمكن أن يتحدث ضدك أو يحرض الآخرين عليك. وبمحاولة عدم الإساءة إليهم وانتقاء ما تقوله يعني ذلك أنك أقل كفاءة وأقل إنتاجية”. ومن المفارقات أن هذا زاد من احتمال إصابة زبائنه بالإحباط والنفور منه، تاركين في نفسه المشاعر التي كان يهرب منها.

لماذا يتجلّى الماضي في الحاضر؟

إن السؤال الأكثر شيوعًا الذي أطرحه هو: لماذا يكرر أي شخص عن قصد سلوكًا يقوض حياته المهنية؟

ببساطة، غالبًا ما يكون التصميم على حلّ المشاكل التي واجهناها في سنواتنا الأولى قويًا بما يكفي لتخريب طموحاتنا. ودون وعي، نكرر السيناريوهات السابقة في محاولة يائسة لحلها. ولكن للأسف، غالبًا ما ينتج عن هذه المحاولات فشل متكرر بدلاً من إيجاد حلول. كما أن العودة إلى الماضي مقنعة وهناك القليل من المفاجآت، في حين أن التغيير غير مريح ومربك.

لا يقتصر الأمر على تجلي النزاعات التي لم يتم حلها في الماضي مجددا في مكان العمل فحسب، بل كذلك بمحاولات تحقيق حاجاتنا الأعمق. ربما كنت تفتقر إلى الاهتمام الكافي أو الطمأنينة من أحد الوالدين، ونادرًا ما شعرت بالحب والإحساس بالأمان. في مكان العمل، يمكن إثارة هذه الرغبات حيث أن المديح والثناء الذي تتلقاه من رئيسك قد يعني لك أكثر بكثير من مجرد أنك تقوم بعمل جيد – ويصبح هذا هو طريقك لمحاولة تلبية الاحتياجات التي لم تُلبّى بشكل كافٍ في مرحلة الطفولة.

ما هي الخطوة التالية؟

إذا كنا نعتقد أن الأشخاص في العمل يقفون ضدنا، فنحن بحاجة إلى التفكير فيما إذا كانت شكوكنا قائمة على الواقع أو نابعة مما تشكل لدينا من تصورات في فترة الطفولة. يعد فصل ماضينا الشخصي عن حاضرنا المهني أمرًا بالغ الأهمية لقراءة المواقف بدقة وحتى يكون ردّ الفعل مناسبًا.

 

 

 

إذا كانت مشاعرك قوية وردود أفعالك غير عقلانية، فربما تستجيب لأحداث الماضي أكثر من الأحداث الحالية. ابحث عن شخص تثق به لمساعدتك على اكتساب منظور مختلف للأشياء. تعرف على رؤسائك وزملائك والعاملين معك حقا، بدلاً من إنشاء تصورات عنهم. فقد تكتشف أنهم عقلانيون وليسوا ضدك على الإطلاق.

لا عجب أن علاقات العمل تلامس الجروح العميقة لماضينا. يمكن للمشاكل المتعلقة بالتبعية والخضوع للسلطة والقرب في مكان العمل أن يعيد إحياء تجاربنا المبكرة. نادرًا ما يكون هناك وقت أو اهتمام لمعرفة الزملاء، وبدلاً من ذلك نحكم عليهم بسرعة، ونضعهم في قوالب مختلفة نادرًا ما نميل إلى إعادة تقييمها. ولكن إذا كانت نظرتنا إليهم تستند إلى تصوراتنا المضللة فإن وقوعنا في سوء الفهم أمر لا مفر منه.

يقوم الجميع على نحو متفاوت بتمثيل تجارب طفولتهم في مكان العمل وهذا ما يجعل سياسات المكتب مثل حقل ألغام. وإذا كنت تريد أن تفهم السلوك غير العقلاني لزملائك فابدأ بفهم سلوكك أولًا.

المصدر: فايننشال تايمز