تناولت شوني أوليفر، عالِمة الكيمياء الحيوية والطبيبة في المعهد الوطني للأمراض المعدية، فكرة افتراضية مفادها: ماذا قد يتغير في الكون إذا اختفى منه الذباب والبعوض؟ وذلك في مقالها الذي نشره موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي.
وفي مطلع مقالها، تؤكد الكاتبة أن معظم الناس في العالم يكرهون البعوض بشدة، مشيرة إلى وجهة نظرها الشخصية، إذ إنها لا تكترث للبعوض، حيث إنه لا يلدغها، ولذا فهو لا يزعجها كثيرًا. بيد أن هذا ليس الحال لدى معظم الناس، الذين لا يستطيعون تحمل لدغات البعوض المُسبِّبة للحكة أو الضوضاء المزعجة التي يُسبِّبها.
البعوض أخطر الأنواع في العالم
توضح الكاتبة أنه بسبب العمل الذي تقوم به في مجال الملاريا، فهي تقضي وقتها في الاعتناء به والحفاظ على حياته حتى تتمكن وزملاؤها من إجراء الأبحاث عليه. وهذا عمل جاد ومهم لأن البعوض أكثر من مجرد حشرات مزعجة، إنه أخطر الأنواع في العالم. وليس هناك أنواع أخرى مسؤولة عن وفيات كبيرة بحجم تلك الوفيات التي يُسبِّبها البعوض، إذ ينشر عددًا من الأمراض الفتَّاكة. وهذا ما يجعلنا نتساءل: أليس من الأفضل للعالم أن تختفي كل هذه المخلوقات الرهيبة؟
ما هو البعوض؟
تقول الكاتبة إنه لكي نتمكن في البدء من الإجابة عن هذا السؤال، نحتاج إلى فهم ماهية البعوض، فهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الحشرات، إنه في الأساس ذباب، مما يعني أن البعوض البالغ يبدو مختلفًا تمامًا عن الصغار، والمعروف باسم اليرقات. وللبالغين أيضًا جناحان فقط، على عكس النحل والدبابير التي لها أربعة أجنحة. وهناك أنواع مختلفة من الذباب القارص، وتحتاج جميع الأنواع إلى مص الدم من الحيوانات – ومن البشر كذلك – لتتمكن من وضع البيض. وعلى الرغم من وجود عديد من أنواع الذباب القارص، مثل ذباب الخيل وذباب تسي تسي، إلا أن البعوض هو الأكثر شيوعًا وانتشارًا.
وما نطلق عليه اسم البعوض هو في الواقع 3.500 نوع مختلف من الحشرات، وكلها تتصرف على نحو مختلف. وينشط معظمها في الليل، لكن بعضها ينشط أثناء النهار. وقد لا يدرك الناس ذلك، لكن البعوض يلدغنا لأنه بحاجة إلى مص دمائنا فحسب حتى يتمكن من وضع البيض، ويمتص ذكور البعوض الرحيق – وهو عصارة سُكَّرية تصنعه النباتات – للبقاء على قيد الحياة.
وإذا مصَّت أنثى البعوض دمًا من شخص مصاب بأنواع معينة من الفيروسات أو بمرض طفيلي مثل الملاريا، فإنه يمكن أن تنقل المرض إلى شخص آخر عندما تلدغه لاحقًا. ومن بين كل هذه الأنواع من البعوض، تُعد الإناث من بين حوالي 40 نوعًا فقط هي الأخطر بالفعل؛ لأنها يمكن أن تنقل الأمراض التي تصيب الناس فيمرضون.
لذلك، من بين جميع أنواع البعوض في العالم، هناك عدد قليل جدًّا من البعوض الذي يمثل خطورة حقيقية. وتتمثل المشكلة في أن هذه الأنواع القليلة من البعوض تنشر أمراضًا خطيرة عديدة – مثل الملاريا. ويصاب أكثر من 200 مليون شخص، معظمهم في أفريقيا، بالمرض كل عام، وإذا اختفى البعوض الذي تسبَّب في الإصابة بالملاريا فقط، فسيُنْقذ ذلك حياة أكثر من 500 ألف شخص كل عام، معظمهم من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وبالتالي، سيكون العالم صحيًّا أكثر.
وربما تكون الأمور أفضل لنا جميعًا إذا اختفى البعوض تمامًا. ولكن الأمر ليس كذلك، لأن البعوض يخدم غرضًا مهمًا.
طعام للحيوانات
تلفت الكاتبة إلى أن أنواعًا مختلفة من الحيوانات، بما في ذلك البشر، تشكِّل ما نسمِّيه النُّظم البيئية: نحتاج جميعًا إلى بعضنا بعضًا، بطرق مختلفة، لاستمرارية الحياة. وحتى البعوض ضروري في هذه النُّظم البيئية.
وهناك مليارات من البعوض، كما هناك أيضًا كثيرًا من الحشرات التي يمكن أن تكون طعامًا يقتات عليه حيوان آخر. ولا نعرف حاليًا أيَّ حيوان يأكل البعوض فقط، ولكن البعوض منتشر ومن السهل اصطياده، لذلك تأكله حيوانات عديدة. ويعيش صغار البعوض في الماء وهو الغذاء المفضل لأسماك البعوض. كما أن الضفادع واليعسوب والنمل والعناكب والأبراص والخفافيش وبعض الحيوانات الأخرى تأكل البعوض.
وإذا اختفت جميع أنواع البعوض، فسيقل الطعام المتوافر لحيوانات كثيرة، فمثلًا تخيل لو اختفى كل الأرز المتوفر في العالم، وفي الواقع لا أحد يأكل الأرز فقط، ولكن إذا اختفى الأرز غدًا، فسيكون لدى كثير من الناس طعام أقل بكثير.
إن معظم البعوض لا يلدغ البشر (يحصل على الدم من الحيوانات الأخرى) وبعض أنواع البعوض لا يلدغ على الإطلاق. ويمكن أن يساعد ذكر البعوض أيضًا النباتات على التكاثر عن طريق التلقيح، مما يمنح النباتات فرصة للانتشار والنمو في أماكن مختلفة. لا يفعل البعوض ذلك على طريقة النحل، لكنه بالتأكيد مهم لبعض النباتات مثل زهرة الأوركيد.
وقد طرح أشخاص آخرون السؤال نفسه الذي يدور في ذهنك، ويعتقد العلماء أن التخلص من جميع البعوض الموجود في العالم لن يكون له تأثير عام سيئ على البيئة. لكن لا أحد منا متأكد مما سيحدث للنُّظم البيئية الصغيرة وهل ستكون أفضل حالًا من دون البعوض أم لا. وهناك أيضًا قلق من أنه إذا تخلصنا من جميع البعوض، فقد يأتي شيء أسوأ بدلًا منه، مثل حشرة أخرى قد تسبِّب مزيدًا من الأمراض أو تعض على نحو أكثر إيلامًا.
والخبر السار هو أن العلماء المجتهدين يعملون بجد في جميع أنحاء العالم لمعرفة كيف يمكننا التعامل مع البعوض الذي يشكل خطورة على البشر. وقد لا نتخلص من جميع البعوض، لكن يمكننا المساعدة في حماية البشر من ذلك البعوض الذي ينشر المرض ويُوقِع الناس فريسة له، بحسب ما تختم الكاتبة.
«خالٍ من الكيلسترول»، «خالٍ من الدسم»، «لا يحتوي على جلوتين»، «يحتوي على سعر حراري واحد»، «هذا اللبن خالٍ من اللاكتوز»، كل تلك التصنيفات أصبحنا نراها كثيرًا كلما ذهبنا لشراء بعض المواد الغذائية، ويثق الكثير من المستهلكين تمامًا في هذه الملصقات حتى أنهم يعتمدون عليها في بعض الحالات الصحية، مثل أصحاب مرض السكري، أو من يتبعون نظامًا غذائيًا بعينه، لكن هل كل تلك التصنيفات صادقة تمامًا؟ أم أن هناك بعض التصنيفات المضللة بعض الشيء؟
ما يصنع ثقة المستهلكين في هذه الملصقات الموجودة على كل المواد الغذائية هو علمهم بأنها تحصل على الموافقة من وزارة الصحة بالبلد التي يباع فيها هذا المنتج، ولهذا السبب بالذات يجب أن يكون هناك جزء من الحقيقة في الملصق ليكون قانونيًا، ولكن ليس بالمعنى الذي يتبادر إلى الأذهان، فما القصة؟
شيكولاته «كندر» ممنوعة في ألمانيا
تعتبر شيكولاتة «كندر» من أكثر الأطعمة التي يتهافت الأطفال عليها في العديد من الدول العربية، خاصة نسختها التي تباع على شكل بيضة وبداخلها مفاجأة للطفل لا يعرف ما هي قبل الشراء، ولكن هل تعرف أن ألمانيا الدولة المصنعة لتلك الشيكولاتة حذرت من بيعها منذ عام 2008، بعد أن اكتشف مجموعة من الباحثين أنها تحتوي على زيوت معدنية تزيد من خطورة الإصابة بمرض السرطان؟
وعلى الرغم من أن استخدام الألوان الاصطناعية في المواد الغذائية يعد أمرًا قانونيًا في العديد من الأماكن في أنحاء العالم، فإن الكثير من الدول الأوروبية، مثل النمسا، وفنلندا، وفرنسا، والنرويج، والمملكة المتحدة، منعوا جميع المنتجات التي تستخدم تلك الألوان، بسبب اكتشاف الباحثين أضرارًا صحية تسببها تلك الألوان، ومنها فرط النشاط لدى الأطفال.
وفي استطلاع للرأي أجرته شركة «نيسله» أوضح أن ما يقرب من 59٪ من مستهلكي المواد الغذائية يجدون صعوبة في فهم الملصقات، وعندما تشتري طعامًا مغلفًا، أو مُعلبًا فليس لديك دليل على سلامة هذا الطعام سوى الملصقات الموجودة عليه، لذا فمع انتشار تلك الأخبار في أنحاء العالم عن ضرر بعض مكونات تلك الأغذية انتشرت في المقابل المزيد من الملصقات الغذائية بهدف بث الاطمئنان في قلوب المستهلكين، فما حقيقة تلك الملصقات؟ وهل يجب أن نصدق كل ما هو مكتوب عليها؟
لا يذكرون الـ100%.. خدعة «الحبوب الكاملة»
الكثير من المقالات الطبية تشير إلى أهمية إضافة الحبوب الكاملة لنظامنا الغذائي، وعليه ظهرت بعض المواد الغذائية المغلفة يُكتب عليها «مصنوع من الحبوب الكاملة» فما معنى هذه الجملة؟
تتنوع أشكال الحبوب والحبوب الكاملة وأحجامها تنوعًا كبيرًا، فتبدأ من حبات الذرة الكبيرة حتى بذور الكينوا الصغيرة، وتستخدم الحبوب الكاملة بشكلها الكامل والاحتفاظ بكل أجواء البذرة مثل النخالة، والجنين، والسويداء.
وتعد الحبوب على هذا الشكل من أفضل مصادر الألياف في الطعام بالإضافة على احتوائها على «فيتامين ب»، والحديد، وحموض الفوليك، والسيلينيوم، والبوتاسيوم، والماغنيسيوم، لكن هل يعني هذا أن الأطعمة المكتوب عليها «مصنوع من الحبوب الكاملة» مصنوع 100% من الحبوب الكاملة؟
هذا ليس حقيقيًا، فهذا الملصق معناه أن تلك الوصفة تشمل «رشة»، أو قدرًا قليلًا للغاية من الحبوب الكاملة، ولذلك إذا كنت تستخدم تلك النوعية من المواد الغذائية بغرض اللجوء للحبوب الكاملة وحدها؛ فعليك اختيار المواد الغذائية المكتوب عليها 100% حبوب كاملة.
لا أحد يتدخل في ذلك.. خالٍ من الكوليسترول
«خالٍ من الكوليسترول» واحدة من أهم الملصقات المنتشرة حول العالم على علب المواد الغذائية؛ وهذا لأن الكوليسترول (Cholesterol) يعتبر مركبًا موجودًا في كل خلية من خلايا الجسم، ويعمل على بناء خلايا جديدة، ولكن إذا كان مستوى الكولسترول في الدم مرتفعًا فمعنى هذا أن ترسبات دهنية ستتكون داخل جدران الأوعية الدموية، وستعيق هذه الترسبات في النهاية تدفق الدم في الشرايين.
ولذلك تعتبر المواد الغذائية التي تحتوي على كوليسترول من أخطر الأطعمة على مرضى ضغط الدم أو اضطرابات القلب، ومن هنا ظهرت ملصقات خالٍ من الكوليسترول، فما الذي تعنيه تلك الملصقات؟
إذا كان هذا الملصق موجودًا على أي منتج نباتي، أو مشتق من نباتات، فهذا معناه أن محتويات تلك المواد الغذائية في الأساس، ومن قبل تصنيعها، خالية من الكوليسترول، فعلى سبيل المثال إذا وجد برطمان لزبدة الفول السوداني مكتوب عليه «خالٍ من الكوليسترول»، فهذا ليس معناه أن الشركة المنتجة قد استخرجت الكوليسترول منه لأجلك، بل معناه أن الفول السوداني من الأساس لا يحتوي على كوليسترول.
لذلك فأنت لست في حاجة لدفع مقابل مالي أكبر للمواد الغذائية التي يُكتب عليها هذا التصنيف، خاصة الزيوت النباتية التي تختار الشركات المنتجة أن تبروز في إعلاناتها هذا التصنيف وكأنه إنجاز قامت به، في حين أن أية زجاجة زيت ذرة أخرى ستكون خالية من الكوليسترول؛ لأنها مشتقة من نبات بطبيعة الحال.
الغول والعنقاء و«هذا المنتج طبيعي 100%»
لا تدع تلك الجملة «طبيعي 100%» تخدعك؛ فعندما يُلصق على إحدى المواد الغذائية عبارة أنها «طبيعية تمامًا» فذلك ليس بالمعنى الحرفي للكلمة، وهذا التصنيف يعني أنها لا تحتوي على ألوان مضافة، أو نكهات اصطناعية، أو أي مواد صناعية آخرى؛ وهذا يجعل وضع الشركة قانونيًا أمام إدارة الغذاء، والدواء، أو وزارة الصحة التابعة لها الشركة.
ولكن المواد الغذائية التي تختار شعار «طبيعي تمامًا» لها، قد تحتوي على مواد حافظة خاصة في حالة الدجاج النيئ المجمد، فقد صرح ستيفان جاردندر مدير التقاضي في مركز العلوم في المصلحة العامة لموقع «هيلث» بأن بعض تلك المنتجات تحتوي على منتجات مشتقة من الطبيعة، مثل شراب الذرة عال الفركتوز، ولكن الشركة المنتجة تتحجج قانونيًا بأنها مشتقة من مادة طبيعية؛ ولكن هل هي صحية، بالطبع لا، لذلك إذا كنت تشتري تلك المنتجات لأغراض صحية، أو إذا كنت تدفع فيها مقابلًا ماليًا أكبر عن باقي المواد الغذائية بسبب جملة «طبيعي تمامًا»؛ فعليك أن تدرك هذه الحقيقة.
هل تعد تطمينات المصلقات خدعة تجارية نفسية؟
في تقرير نُشر على موقع «بي بي سي فيوتشر» تحت عنوان
«‘Gluten-free water’ and other absurd labelling trends»
أو «المياه الخالية من الجلوتين واتجاهات أخرى غير معقولة في وضع العلامات»؛ وضح كيفين لانكستر الخبير الاقتصادي الأمريكي، أن سعادة المستهلك وشعوره بالرضا لا تنتج فقط عن شرائه للمنتج، بل امتلاكه مواصفات تميزه عن باقي المنتجات.
وأوضح لانكستر أنه من خلال خبرته الاقتصادية تأكد أن بعض المستهلكين عند شرائهم سيارة جديدة ينجذبون في البداية إلى اللون، والحجم، والسعر، وكل المواصفات السابقة يمكن التأكد منها قبل الشراء ومن على مواقع الإنترنت، ولكن الصفة الأهم التي تخبر المستهلك بمدى كفاءة استهلاك الوقود لن يعرفها المستهلك إلا بعد الشراء وهذا معناه بحسب لانكستر – أن الشركة المنتجة تعلم عن المنتج أكثر من المستهلك، وهذا لا ينطبق على السيارات فقط، بل على جميع المنتجات ومن ضمنها المواد الغذائية.
وقد تسبب تفاوت المعلومات هذا في ضرورة وجود ملصقات توضح مكونات المنتج للمستهلك، ولكن خبراء الاقتصاد وجدوا أن الشركات المنتجة تستخدم تلك الملصقات لتضليل المستهلكين من خلال ما أطلقوا عليه «الشفافية الزائفة»؛ مثل تعبير «خالٍ من الكوليسترول» أو «مياه خالية من الجلوتين»؛ فكل زجاجات المياه خالية من الجلوتين، ولكن مع وضع هذا الملصق يمكن للمنتج أن يضع سعرًا زائدًا للمنتج؛ مستغلًا خوف المستهلك من هذا العنصر غير الموجود أصلًا.
إذا كنت تبحث عن المواد الغذائية الصحية، أو المناسبة لما تعاني منه من أمراض؛ فعليك أن تكون على دراية أكبر لما يحمله كل معنى من معاني ملصقات الأغذية الاستهلاكية، فهناك الكثير من الخدع التي قد تتبعها الشركة المنتجة بغرض الترويج لبضاعتها، وقد لا تضرك تلك الخدع صحيًا، ولكنها بالتأكيد ستخدعك تجاريًا عندما تدفع مقابلها مالًا أكثر مما تستحقه.