الطبيعة على حافة الإفلاس

باهر كمال
الضغوط الواقعة على موارد العالم من الأراضي الآن، أكبر من أي وقت مضى، حيث يترتّب على التزايد السريع في أعداد السكان، وارتفاع مستويات الاستهلاك، مطالب أكبر على رأس المال الطبيعي، القائم على الأراضي في العالم، كما يحذر تقرير جديد للأمم المتحدة.
تضاعف استهلاك المحميات الطبيعية على كوكب الأرض خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، مع التدهور الشديد لثلث أراضي الكوكب الآن، كما يضيف التقرير الجديد لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي صدر في 12 سبتمبر/أيلول في مدينة اوردوس في الصين، أثناء القمة الثالثة عشرة الخاصة بالاتفاقية 6- 16 سبتمبر 2017.

يقول تقرير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي يحمل عنوان: توقعات الأراضي في العالم: «في كل عام نفقد 15 مليار شجرة، و24 مليار طن من التربة الخصبة»، ويضيف أن نسبة كبيرة من النظم الإيكولوجية المدارة والطبيعية تتآكل، وتتعرض لخطر إضافي جرّاء تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي.
ومن ناحية أساسية، هنالك تنافس متزايد بين الطلب على السلع والخدمات التي تنفع الناس، مثل الغذاء والماء والطاقة، وبين الحاجة إلى حماية خدمات النظم الإيكولوجية الأخرى التي تنظم وتدعم كل الحياة على الأرض، وفقاً للنشرة الجديدة.
وفي الوقت نفسه يدعم التنوع البيولوجي الأرضي جميع هذه الخدمات، ويكفل التمتع التام بسلسلة واسعة من حقوق الإنسان، مثل الحق في الحياة الصحية، والأغذية المغذية، والمياه النظيفة والهوية الثقافية، كما يضيف التقرير.
ويعرض التقرير بعض الحقائق الرئيسية، ففي الفترة ما بين 1998 إلى 2013، أظهر نحو 20% من سطح الأرض النباتي، اتجاهات هبوط مستمر في الإنتاجية، تظهر في 20% من الأراضي الزراعية، و16% من أراضي الغابات، و19% من الأراضي العشبية، و27% من أراضي المراعي.
وقال التقرير، إن أكثر من 1.3 مليار شخص معظمهم في الدول النامية، عالقون في شرك أراض زراعية تتآكل، وتتعرض للضغوط المناخية، وبالتالي فإنهم مستبعدون من البنية التحتية الأوسع والتنمية الاقتصادية. ويثير تدهور الأراضي أيضاً المنافسة على الموارد الشحيحة؛ الأمر الذي يمكن أن يقود إلى الهجرة وانعدام الأمن، ويفاقم من عدم المساواة في فرص الوصول إلى تلك الموارد، وفي الدخل، كما يحذر التقرير.
وتآكل التربة والتصحّر وشحّ المياه، كلها تسهم في الإجهاد المجتمعي والانهيار. وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار تدهور الأراضي «مضخّماً للتهديد»، ولا سيما عندما يقلل ببطء قدرة الناس على استخدام الأرض، لإنتاج الأغذية وتخزين المياه، أو يقوّض خدمات النظم الإيكولوجية الحيوية الأخرى.
وفي الوقت نفسه فإن ارتفاع درجات الحرارة، وتغيّر أنماط سقوط الأمطار، وزيادة شح المياه بسبب تغير المناخ، سيغير ملاءمة مناطق شاسعة لإنتاج الغذاء والإقامة البشرية، وفقاً للتقرير.
«إن الانقراض الجماعي للنباتات والحيوانات، بما في ذلك فقدان النباتات البرية التي تعتبر من المحاصيل، والأنواع الرئيسية التي تجمع النظم الإيكولوجية معاً، يزيد من تعريض المرونة والقدرة على التكيف للخطر، ولا سيما بالنسبة إلى فقراء الريف الذين يعتمد معظمهم على الأرض لتلبية احتياجاتهم وكسب معاشهم».
ومن منظور إقليمي، تتنبأ هذه السيناريوهات بأن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، ستواجه أكبر التحديات، بسبب مزيج من العوامل، التي تشمل ارتفاع النمو السكاني، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة إلى الفرد، والخيارات المحدودة أمام التوسع الزراعي، وزيادة الإجهاد المائي، وارتفاع خسائر التنوع البيولوجي.
وهذه حقائق ثابتة. والسؤال الكبير هو: هل يمكن عكس هذا الاتجاه المدمر للذات؟ والجواب هو نعم، أو على الأقل، إنه يمكن تقليل الخسائر إلى أدنى حدّ ممكن.
وهل يمكن أن تستعيد الطبيعة الأم عافيتها؟ والجواب، هو نعم، صريحة وواضحة. ولعله يكفي أن يولي السياسيون مزيداً من الاهتمام للاحتياجات البشرية الحقيقية، وأن تساعد الشركات والأعمال التجارية الكبيرة على تجديد رأس المال الطبيعي للعالم.

* مستشار رفيع لوكالة انتر برس سيرفس، إسباني مصري المولد. موقع: انتر برس سيرفيس نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *