تحولات المثقفين

الأستاذ . خضر البراهيم

إحدى السمات المميزة للمثقف هي التغير وعدم الثبات في افكاره وقناعاته وعقائده الموروثة والمكتسبة وميوله واتجاهاته ، ونظرته إلى الأمور كلها ، ولا يعني ذلك أنه اصبح في حالة سيولة لا ينتظمه ناظم، فالأمر ليس كذلك ، فهو شخص ملتزم وربما اكثر من غيره ، وإلتزامه خاص بالحقيقة وحدها ، و هو لا يطيق غيرها ولكن الحقيقة نسبية وهي تتغير لديه تبعا لتغير المعطيات ، بحكم اتصاله المستمر بمصادر المعرفة ، وتبعا لذلك يتسم بالإنفتاح والإحتفاء بالرأي الآخر والترحيب به ولهذا لا يعرف التعصب .
لا يحدث التحول عنده بين ليلة وضحاها ، فالفكر يحتاج ايضا إلى وقت طويل حتى يختمر ، وعندما تختمر الأفكار الجديدة تنساب من بين يديه الأفكار القديمة انسيابا سهلا وحتى انه لا يشعر بانسلاخه منها ، التحول لديه يحدث بهدؤ ومن غير ضجة ، إنه لا يفتعل التغير ولكنه يعبد الطريق له
فأين إذن من الذين يحجرون على الفكر وعلى المفكرين والمثقفين ، مصادرة الحريات إحدى الجرائم التي ترتكب ضد الإنسان والإنسانية ، وضد المشيئة الإلآهية ؛ قال تعالى ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ” ورغم اختلاف المفسرين في تأويل هذه الآية إلا انهم متفقون على معناها الأول المتبادر .
كثير من المفكرين خبروا في تنقلاتهم الفكرية مذاهب شتى واحيانا تكون من النقيض إلى النقيض .
المفكرون والفلاسفة والمثقفون مرآة للعقل الإنساني المضطرم والقلق والباحث دوما عن الحقيقة ، التي لا يحيط بها ويعلمها إلا الله تعالى ، ولكن الإنسان بما اودع فيه من نفحة من الخالق تواق إلى شجرة المعرفة التي بسببها اخرجه الله من الجنه على رأي بعض المفسرين ، ورحم الله ابا الطيب المتنبي حين قال
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
فالتحرر الفكري هو الخروج الثاني للمثقف من جنة النعيم ! نسال الله لهم الرحمة .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *